قضية الصراع العربي اليهودي

يتناول القائد عبدالله أوجلان في كتابه “قضية الصراع العربي اليهودي” أزمة الشرق الأوسط من منظور تاريخي وسياسي، موضحًا جذور الصراع وأبعاده الاجتماعية والثقافية. يعرض القائد أوجلان رؤيته لحل هذه الأزمة من خلال تعزيز مفاهيم العصرانية والديمقراطية، مشددًا على أهمية الاعتراف بالحقوق المتبادلة للشعوب في المنطقة. كما يؤكد على ضرورة الحوار والتعاون بين الثقافات المختلفة كسبيل لتحقيق السلام والاستقرار

قضية الصراع العربي اليهودي

عبد الله أوجلان

منشورات أكاديمية عبد الله أوجلان للعلوم الاجتماعية

الطبعة الأولى 2024

مطبعة الشهيد هركول

 

التناقض العربي _اليهودي

 

يستحيل تحليل هذا التناقض، نظرا” لإنتاجه وتأجيجه من قبل نظام المدنية تاريخيا والحداثة بالذات مرحليا وفي التاريخ القريب. من هنا، لا يمكن تحقيق الوفاق والمسالمة بين الاسلام واليهود، ما لم يتم التخلص من الدوران في فلك السلطة والدولة. فما داما يصران على ان يبقيا قوه السلطة والدولة، فكلتاه القوتين لن تجد لوجودهما مستطاعا”، الا بإفناء بعضهما البعض في يومنا الراهن، مثل ما كانتا تاريخيا”. اذ هكذا تشاد تواريخ السلطة. وقد استمرت الحداثة بهذا السياق بتصييره أكثر حده وتصلبا. اذ يطلق اسم الحل على انسحاق البعض تحت وطاه الدعامات الثلاثية. اي ان الحل بلغه الحداثة ممكن بالانسحاق تحت وطأة الدعامات الثلاثية المتهيجة (الرأسمالية، الدولة القومية، والصناعاوية). وتاريخ القرون الخمسة الحداثة الرأسمالية مليء بأمثلة لا حصر لها من هكذا انماط من الحلول. هذه القضية، التي تؤثر على المنطقة سلبياً بالأكثر وتمهد السبيل امام مخاضات اليمة وخسائر جسيمه منذ ما يقارب قرنا من الزمن، لا مهرب من استمرارها بأحداث تداعيات أكثر افسادا، حصيلة المواقف السائدة حاليا. ما من مثال قادر على عرض الوجه الدموي الحقيقي لحلول المدنية السلطوية _الدولتية بتاتا”، بقدر ما هي عليه القضية العربية _اليهودية. والأفجع هو ان اليهود عانوا من الابادة العرقية “الفريدة _الواحدية” على يد قوى الحداثة الرأسمالية، التي لعبوا دورا كبيرا في انشائها. بالفعل، نادرة هي الامثلة القادرة على كشف النقاب عن ماهية الحل، او بالأحرى اللأحل النهائي للحداثة، بقدر ما هي عليه هذه العبادة العرقية المدبرة مسبقاً. وعلى سبيل المثال، فالموساد هو من أسس تنظيم “حماس” بغيت اضعاف “منظمه التحرير الفلسطينية”، رغم انه لا علاقة له قطعيا بالنضال الدائر في فلسطين. وعليه، فقط تسبب تنظيم “حماس” اليوم في ايصال “منظمه التحرير الفلسطينية”، وبالأخص حركه ” فتح ” التي تعد فصيلا اساسيا من فصائل المنظمة إلى حافه التصفية.

ازمه الشرق الاوسط وحل العصرانية الديمقراطية

لا تنفك ازمه الثقافة الشرق اوسطيه وسبل النفاذ منها وحلها تحافظ على مكانتها في الثقافة العالمية. ونظرا لتوقفي على الموضوع بإسهاب شامل في المجلدات المعنية، فلن اكرر، بل سأكتفي فقط بالتنويه ولفت النظر. في حين ان الموضوع الذي يستلزم التوقف عنده بإمعان أكثر هو ظاهره السلطة المركزية. فالقول بان ظاهره السلطة تكمن في اساس الازمات الاجتماعية هو تشخيص علمي. وعليه، فمن الضرورة صياغة الحلول ايضا ارتباطا بالسلطة. لقد شرحنا باستفاضة ان نظام المدنية المركزية لعب دورا رئيسيا في الثقافة الشرق اوسطيه على طول فتره تناهز الخمسة الاف سنه. فالمدنية المركزية المعمرة 5000 عام تعني ايضا السلطة المتمركزة على مر الفترة الزمنية نفسها. ومن أكثر المواضيع التي تناولتها الرؤية التاريخية السائدة هو تشتت السلطة وتمركزها. وبتعبير اخر، فتكوين المركز المهيمن والاطراف هو الدياليكتيك الاساسي، الذي يسير عليه مفهوم التاريخ نفسه. اذ يعاد تشكيل القوة المهيمنة في عقاب كل ازمه غائره. ونظرا لان كل نظام مهيمن يتشكل اعتمادا على سلطه جديده وتقنيه انتاجيه جديدة، فأن تجاوزه مع تقادم هذه السلطة والتقنية الانتاجية يغدو امرا لابد منه. وعاده ما تبرز السلطة وتقنيات الانتاج الجديدة من احشاء علاقات الاطراف بالمركز المهيمنة العتيق. ذلك ان علاقات الاطراف المحتوية على تقنيات السلطة الاقوى وادوات الانتاج الاكثر عطاء، تتولد عن قوى جديده تبدأ بالتفوق على القوة المهيمنة القديمة، بالتزامن مع وقوع هذه الاخيرة في الازمات حصيلة عدم تحديث نفسها. وتحفل هذه المرحلة بالاشتباكات، لان القوة القديمة لا تود افلات احتكار السلطة المركزية بسهوله. في حين ان مركز القوة الجديدة مرقم على الحظي بمكان المركز القديم، ما دام يطمح الى الثبات وتعزيز موطئ قدمه. وبالأصل، تتولد الازمه من طابع النزاع الضاري لهذا السياق. فكيف ما ان اي قوة مهيمنه لا تقع في الازمه من تلقاء نفسها، فلا يمكن لاي قوه جديده ايضا احراز التطور دون التضاد مع النظام المهيمن. وثقافة الشرق الاوسط ونظام مدنيه حافلان بعدد جم من حوادث المد والجزر هذه. فنما المدن والطبقات والدول وتناثرها، وتأسيس الامارات والامبراطوريات ودمارها، وصعود السلالات وسقوطها؛ كل ذلك يتحقق دوما بالتأسيس على الازمات الموجودة ضمن علاقات المركز المهيمن _الاطراف. وإذا كنا نتطلع الى قراءه التاريخ بعين سليمة، فانه يتحتم علينا استيعاب الدياليكتيك السائر في كل هذه المراحل بمنوال صائب.

السؤال المفتاح في الدياليكتيك التاريخي هو: كيف تشكل مركز القوى المهيمنة؟ فتشكل الهيمنة يقتضي اولا تكون بؤره القوة المحلية، والتي عاده ما تكون امارات ريفية، او حراميات عشائرية وقبلية، او دويلات مدينيه. وأثر تكون بؤر القوة المحلية، تبدأ حروب مضاعفه الحصه فيما بينها، على خلفيه فائض الانتاج الذي ترتكز اليه. وحروب مضاعفه الحصه تسفر عن رسم الحدود. والحدود بدورها تعني تحول حدود الملكية المتبقية من أسر وقبائل العصور المنصرمة الى حدود السلطات المحلية. اي ان كل سلطه محليه تعني سلاله عائليه اشمل او اتحادات قبليه اوسع. وبقدر ما تتعاظم، فإنها تقوم بتوسيع رقعه حدودها بالمثل. وفي المحصلة، تتقاطع الحدود وتتضارب. لكل قوه حالات من التطور المختل ضمن حدودها. وما يتسبب في هذا الاختلال هو تقنيات السلطة الجديدة (الاسلحة ووسائل المواصلات الجديدة وما شابه) وادوات الانتاج المثمرة. اما المضاعفة الدائمة للقوة، فهي الحالة البدائية لمراكمة رأس المال. ذلك انه، ومثل ما يستحيل على راس المال الرأسمالي الوقوف على قدميه بثبات، من دون المضاعفة الدائمة لمراكمته؛ فإن قوى السلطة المحلية ايضا تعجز عن الثبات من دون تعظيم قواها وتضخيمها. وعند اكتمال اتساع رقعه الحدود في الاصقاع الخاوية، يصبح لا مهرب من التصادم، اي من سياق الازمة، عندما تمسي مختلف القوة في مواجهه بعضها بعضا. وتعزى استحاله ذلك الى عجز القوة المحلية المتكونة من حماية قواها، من دون تعاظم فائض على انتاج. ذلك ان التعداد السكاني يبدا بالتضخم، بسبب تفاقم البيروقراطية والتكاثر السلالات والقبائل. وترمي السلطة الى الانتشار في كافة الميادين الاجتماعية الاخرى، تماما كالخلايا السرطانية المتكاثرة. وهذا ما ينم عن حرب الحماية، مثل ما يلاحظ في مثال الخلايا الحية المتطلعة الى حماية نفسها. كما نرصد هذا السياق بنحو صاعق خلال حروب السلالات ودول المدينة السومرية الاولى. كما ويستمر بوضوح فاقع داخل عراق اليوم ايضا. يبدو انه لعنه اينانا، الهة اوروك. ينتهي اشتباك وانصدام السلطات المحلية بإنهاك بعضها بعضا بنحو كلي، او بنفاذ احداها من الصراع او الازمه الخانقة متفوقة ظافره. ويتكون مركز مهيمن جديد حول المدنية او السلالة التي تخرج ظافره. ويعاد ترتيب كافة بناها التحتية والفوقية، اي تقنيات وادوات الانتاج المادي والبنى الايديولوجية والسياسية المعنوية. وتلجأ الهيمنة الجديدة الى تقديس وتاليه نفسها. واما ان تكيف الدين القديم مع مصالحها او تصيره مذهباً، فإنها تبسط جوانبها التي تميزها، او تعمل على تكريس وتأبيد نفسها من خلال دين او ميثيولوجية جديدة، اي من الجانب الايديولوجي ايضا. وقد قام نظام المدنية المركزية في الشرق الاوسط بمركزه نفسه، نافذاً بذلك من الازمات تأسيساً على هذه الاليه الجدلية طيلة حقبه تزيد عن ال 5000 سنه. وكل مرحله من النزاع والصراع قد آلت الى سلطه مركزيه متعاظمة. وبالأصل، فقد نجح دوما في التحول الى نظام مدنيه مركزيه نتيجة لذلك. فالنزعة المركزية المتصاعدة لم تتحقق فقط على حساب فقدان السلطات المحلية لقواها. بل وعاده ما تقوم بسلب المجتمعات حقها في الادارة الذاتية، وبالتدخل المستمر في النظم الديمقراطية الطبيعية الموجودة في مركزها واطرافها، بل وحتى في تلك النظم التي تتحلى بها الاسر والقبائل الكائنة خارج رقعتها، وبانتزاع حق الادارة الذاتية منها، والحاقها بذاتها، معززه بذلك من شان مركزها المهيمن. بمعنى اخر، فقط تحققت السلطة المهيمنة والسلطات المحلية دوما على حساب حشر او تقويض الادارات الذاتية للقبائل والعشائر وحتى في القرى والمدن التي تشهد وتحيا نظما كومونالية بدائية طبيعية.

يتبع…

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.