الدفاع المشروع

في كتاب “الدفاع المشروع”، يستعرض القائد عبدالله أوجلان مفهوم الدفاع الذاتي كاستجابة طبيعية للتحديات السياسية والاجتماعية. يشدد على ضرورة تكامل الدفاع الذاتي مع القيم الديمقراطية والتضامن المجتمعي، مما يساهم في تعزيز الهوية الجماعية. يطرح القائد أوجلان كيف يمكن للناس تنظيم أنفسهم بشكل فعال لحماية حقوقهم ومصالحهم، ويعتبر الدفاع الذاتي خطوة حيوية نحو التحرر والتقدم الاجتماعي. يسلط الضوء أيضًا على دور المرأة والشباب في هذه العملية، مؤكداً أن الدفاع ليس مجرد فعل عسكري بل هو مسار لبناء مجتمع أكثر عدلاً.

الدفاع المشروع

عبدالله أوجلان

تاريخ الطبع  كانون الثاني 2023

منشورات اكاديمية عبدالله اوجلان للعلوم الاجتماعية

 

وباستطاعتنا وبكل سهوله تسميه الاتحاد الجديد لهذه الوحدات بالوحدة الكونفدرالية او الاتحاد الكونفدرالي (اتحاد الوحدات الفيدرالية). واذ ما عممنا هذا النظام على المستويات المحلية والوطنية والاقليمية والعالمية ،فسنفهم بسهوله مدى كون الكونفدرالية الديمقراطية نظاما شاملا. كما انه يمكن من خلال منهجيه الكونفدرالية ان نستوعب على خير وجه مدى تكامل الابعاد الثلاثية الرئيسية للعصرانية الديمقراطية واتمامها بعضها بعضا. وهكذا يكون قد حقق وتوطد واقع وتكامل المجتمع التاريخي للطبيعة الاجتماعية بأفضل احوالها ،نظرا لان كل بعد ضمن هذا النظام قادر على النقاش والتقييم والبت في شؤونه، وعلى اعاده الهيكلة وممارسه اعماله فيما يتعلق بشؤونه الذاتية. يمكن تطبيق الدفاع الذاتي المجتمعي ايضا على اكمل وجه في النظام الكونفدرالي الديمقراطي. حيث يندرج الدفاع الذاتي في النظام الكونفدرالي كإحدى مؤسسات السياسة الديمقراطية. فالدفاع الذاتي من حيث التعريف هو تعبير مكثف عن السياسة الديمقراطية .

بهذا المعنى، فالعصرانية الديمقراطية هي المخرج الوحيد لنيل الحرية بالتناسب طرديا مع حمايه المجتمع. فالمجتمع الذي يدافع عن ذاته بالسياسة الديمقراطية (تجاه النزعة الفردية والدولة القومية والاحتكارات)،يصير ذاته مجتمعا ديمقراطيا عصريا من خلال تفعيل نسيجه السياسي. بينما المجتمع الديمقراطي العصري بدوره يثبت تفوقه من خلال احيائه الاختلاف والتعددية الثقافية ،وإنعاشه المساواة تأسيسا على ذلك ،وصفه مجتمعا يفكر ويناقش جميع شؤونه الاجتماعية ،ويتخذ قراراته بشأنها

لإدراجها حيز التنفيذ. وهكذا ،فالعصرانية الديمقراطية  لا تكتفي بخوض الصراع الطبقي على اساس سليم وحسب. بل وهي في الوقت نفسه لا تخنق مجتمعها بخلق سلطه او دوله جديده (الخطأ المأساوي التاريخي للاشتراكية المشيدة)،ولا تقع في هذه المصيدة التاريخية . فهي مدركه انها كلما تحولت الى سلطه او دولة ،فسيتنامى التحول الطبقي بالمثل ،وبالتالي ،سيخسر النضال الطبقي. من هنا، ينبغي الإشارة  الى هذا الادراك كأحد اهم المزايا الأساسية  للعصرانية الديمقراطية  .

لغة  العشرانية الديمقراطية لغة سياسيه. اذ تتصور كل بناها النظامية وتنشئها بالفن السياسي. فماهية المجتمع الاخلاقي والسياسي العلوم الاساسية تذكر بالسياسة ،لا السلطة. والواقع الذي يحيا ها المجتمع الاخلاقي والسياسي في راهننا اي قضيته الاولى بشان الحرية والمساواة والدمقرطة ،هي قضيه وجوديه. ذلك ان وجوده محاط بالخطر. فهجمات الحداثة في اتجاهات متعددة تقتضي منه صون وجوده قبل اي شيء اخر. وجواب العصرانية الديمقراطية عزاء تلك الهجمات هو الدفاع الذاتي الذي يعني المقاومة. اذ تصعب ممارسه السياسة دون الدفاع عن المجتمع. علي التشديد مجددا على ان المجتمع واحد ؛الا وهو المجتمع الاخلاقي والسياسي. وتتجسد القضية  اولا في عاده هيكله المجتمع ضمن الظروف العصرانية الاكثر تطورا ونماء ،بعدما افنته السلطة  والدولة لحد بعيد وعرضتاه للاستيلاء والاستعمار والاضطهاد. تشكل السياسة الديمقراطية الى جانب الدفاع الذاتي جوهر السياسة المرحلية. فبينما تطور السياسة الديمقراطية المجتمع الاخلاقي والسياسي، فان الدفاع الذاتي يحميه ضدها هجمات السلطة التي تستهدف وجوده وحريته وبنيته المرتكزة الى المساواة والديمقراطية. اننا لا نتحدث عن حرب تحريريه وطنيه من نوع جديد ولا عن حرب اجتماعيه. بل نتكلم عن صون هويته وحريته ودمقرطته والدفاع عن مساواته ضمن الاختلاف. وفي حال عدم وجود الهجوم ،فلن يبقى داع للدفاع ايضا. وسواء من حيث اساسها التاريخي ام على صعيد الطبيعة الاجتماعية المعقدة راهنا ،فان العصرانية  الديمقراطية لا تختار الكونفدرالي الديمقراطية كنموذج سياسي اساسي عن عبث. بل انها تعبر بذلك عن السقف السياسي للمجتمع الاخلاقي والسياسي. سيصبح فهم الكونفدرالية الديمقراطية عسيرا” ،في حال عدم الاستيعاب الكامل بان الطبيعة الاجتماعية ليست نمطيه او احاديه متكشفه ان تراص كلي. وما تاريخ المدنية الرسمية في القرون الاربعة الاخيرة سوى تاريخ فرض التبعية على المجتمع المتعدد الأثنيات والثقافات ،والمتنوع بكياناته السياسية ،والمتميز بدفاعه الذاتي. انه تاريخ اخضاع المجتمع لنوع من انواع الابادة (العبادات الثقافية عموما والفيزيائية من حينا لأخر) تحت اسم الامه الواحدة النمطية. بينما تعد الكونفدرالية الديمقراطية تاريخ الاصرار على الدفاع الذاتي والتعددية الاثنية والثقافية والكيانات السياسية المختلفة تجاه ذاك التاريخ. وما وراء الحداثة هو استمرار لتاريخ صراع الحداثة ذاك ،ولكن بأشكال جديده. من الصعب سريان مفعول اليات نظام الديمقراطيات ،دون استيعاب طرازها العملياتي. الديمقراطية المفتقرة الى العملية اشبه بالإنسان الابكم. العملية لغة الديمقراطية. كل تحرك للشعب ،وكل نشاط للتنظيمات هو عمليه. لا يمكن تسيير الديمقراطيات دون القيام بالعمليات المتتالية في زمانها ومكانها المناسبين ؛من ابسطها الى اعقدها: المظاهرات ،الاجتماعات ،المسيرات، الانتخابات ،التظاهرات والاعتصامات، الاحتجاجات، الإضرابات ،وحتى المقاومات والانتفاضات القانونية اثناء الظروف الملائمة. نخص بالذكر هنا ان العمليات وسائل ضرورية للحل في حال التقاضي عن المطاليب الاولية للشعب ، او تدمير وافساد الكثير من مؤسسات وقواعد واهداف الديمقراطية. لا يمكن لاي شعب (او تنظيم) عاجز عن القيام بالعمليات ، ان يحقق ديمقراطية. حينها يكون في الحقيقة قد مات وزال.

هذا وجلي جلاء النهار ان العمليات تكون عبر التنظيمات، وان العمليات المفتقرة الى التنظيم ستبقى جوفاء وفاشله. بقدر ما تكون الشعوب منظمه، تكون حينئذ عملياتية. يجب عدم النظر الى العمليات على انها مجرد احتجاجات ومقاومات. فاغلب عمليات المجتمع المدني بناءة. اي ان مفهوم العملية الايجابية هو الاساس. متى يمكن الانتفاضات والحروب الشعبية ان تفرض ذاتها ؟يرتبط اعطاء الرد الصحيح على اساليب وظروف هذه العمليات الاساسية المستثمرة والمستخدمة على حساب الشعوب ،بابور اهم المنعطفات في تاريخ الشعوب بأحراز النجاح المظفر. لا يمكن الانتفاضات والحروب ان تجد معناها ،الا في حال عدم اثمار كافه اشكال العمليات الاخرى، ولدى معاناه المشاكل القائمة من العقم الجذري. نخص بالذكر هنا ضرورة  ابداء الشعوب قدرتها على القيام بالانتفاضات والحروب في سبيل مصالحها الحيوية والمصيرية ؛عوضا عن العيش في ظل العبودية المحطة  للقدر، عندما لا تترك قوى السلطة القتالية اي خيار للحل سوى اللجوء الى العنف.. اذ لا مناص من التركيز الحقيقي والجدي على انتفاضات الشعوب وحروبها ،عندما لا تطبق القوانين بالتساوي ،ويهمل دور الديمقراطية  في الحل، وتفرغ كافة العمليات السلمية  من محتواها. بمقدور الاطارين التاليين اعطاء الجواب اللازم: عندما لا تترك الدولة اي مجال للحل الديمقراطي ،ولا تهتم به بالحساسية المطلوبة ،وعندما لا يبقى بحوزه الشعب اي عامل اخر للتأثير على الدولة ؛حينها تبدأ فعالية الانتفاضات الدموية _بنسبه منخفضه كانت ام مرتفعة _او الحروب الشعبية الدائمة _عالية النسبة كانت ام منخفضة _مثلما شوهد لدى العديد من الشعوب. لا تهدف كل انتفاضه او حرب مندلعه الى الانفصال. بل خلافا لذلك ،انها تقود بالأرجح الى التكامل الديمقراطي. لقد مر الزمن على الانتفاضات والحروب التحررية  الوطنية القديمة الهادفة الى بناء الدولة ،وعفا الدهر عليها. فالانتفاضات والحركات التحررية الوطنية  الهادفة الى الدولة ،ليس من محصلتها سوى اضافه ملحق صغير اخر الى الدولة الرأسمالية. وكيف ما لا يجلب هذا اي حل لاي مشكله تعانيها الشعوب، فهو يزيد من وطأتها ايضا”. فمشاكل الشعب العربي، صاحب ال 22 دولة، لم تقل_ حسب الظن_ بل تكاثرت. من هنا، بالإمكان تعريف الانتفاضات والحروب الشعبية للمرحلة الجديدة، بانها لا تكون هادفه الى الدولة، بل الى التفعيل التام للديمقراطية، شكلا ومضمونا. هكذا يمكن رسم ادوارها الرئيسية. فالانفصال لن يجد معناه، الا ان كان لا مناص منه. يستدعي خيار الشعوب على الدوامة الانحياز للتكامل الديمقراطي. مهما فرض اصحاب النعرات القومية المفرطة الانفصال والعنف لدى كلا الطرفين، الا انه من الضروري ان يكون التكامل الديمقراطي واقل درجه من العنف هو خيار الشعوب في هذه الظروف. فبقدر ما يكون اللجوء الى الانتفاضات والحروب قبل النضوج ظروفها وزمانها المناسبين امرا خطيرا”؛ فعدم اللجوء اليها محط من القدر ومميت بنفس النسبة من الخطورة، لدى انعدام كافه الخيارات الاخرى. تتعلق المسألة العملياتية الهامه الاخرى بالنسبة للديمقراطيات بكيفيه التصرف في حالة الدفاع المشروع. يجد الدفاع المشروع معناه في ظروف الاحتلال فقط. فاذا ما سلط على الشعب نظام محتل مستعمر او قمعي بشكل مختلف، فهذا معناه انه ثمت احتلال. وكما ان قوه خارجيه بمقدورها ان تكون منفرده في احتلالها، ففي بعض الاحيان قد تلجا في ذلك الى المتواطئين المحليين. هنا تبرز مهمه الدفاع عن الذات بهدف دحر الاحتلال وتأسيس الديمقراطية. لكن، بما انه تمت ظاهره غريبه (خارجيه) في الوسط، فسيكون من الاصح نعته بالدفاع المشروع، او الدفاع الوطني الديمقراطي. وتكون في هذه الحالة تولدت شروط الحرب والانتفاضات مره اخرى. لا تؤخذ الحرب التحررية الوطنية الكلاسيكية اساسا هنا. فمن الانسب القول بانها حرب الدفاع في سبيل التكامل الديمقراطي الشامل، كضرورة من ضرورات العصر الراهن، حتى وان كان لها بعدها الوطني. بالإمكان تطوير مثل هذا النوع من الانتفاضات والحروب في المدن والقرى على السواء، اما بشكل منفرد او متزامن. وقد جربت كافه الاشكال في العديد من البلدان الاسيوية والافريقية والامريكية .

يتبع….

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.