الدفاع المشروع

“الدفاع المشروع” للقائد عبد الله أوجلان يتناول استراتيجيات النضال الكردي من منظور فلسفي وسياسي، مشددًا على أهمية المقاومة السلمية ودور الوعي الجماعي في تحقيق الحقوق. يقدم القائد أوجلان رؤية متكاملة للحرية والعدالة، مع التأكيد على ضرورة مواجهة الهيمنة الثقافية والسياسية.

الدفاع المشروع

عبدالله أوجلان

تاريخ الطبع  كانون الثاني 2023

منشورات اكاديمية عبدالله اوجلان للعلوم الاجتماعية

 

ففي المجتمعات التي تفتقر الى العلاقات الديمقراطية المعاصرة او عندما تتعرض الديمقراطية لاعتداء عندها يكون الدفاع المشروع عن الذات هو احد حقوقها الأساسية ، بل هو حق دستوري أساسي حيث ان الرضوخ للأنظمة والقوانين غير الديمقراطية ليس موقف ديمقراطي ، وهذا الموقف افناء القوى غير الديمقراطية باعتداء مضاد ، بل يقترح تجاوز الظلم  بتطوير الوعي العام للمجتمع والتنظيم وحق التظاهر ، وتدخل المقاومة العملية ضمن حقوق الدفاع المقدس وتشكل جوهر الحقوق ، ويأخذ الدفاع المشروع عن الذات بما في ذلك المسلح منها أساسه من المبادئ الديمقراطية المعاصرة وما يتجاوز هذا المبدأ من العمليات لا تدخل في أطر الدفاع المشروع .يشكل الدفاع المشروع أحد المواضيع الأساسية التي يجب فهمها تطبيقها بنحو صحيح كقضية عامة للمجتمع المدني ،ولا يستبعد احتمال تعرض المجتمع لاعتداءات دائمة من قبل الدولة والمجتمع التقليدي ، وستستخدم القوى التي تريد افشال المجتمع المدني واستفزازه هذا الأسلوب بنحو علني او سري ، لأنه قد اغلق باب الغلال الذي كان يؤمن لها مصالح كبيرة ولذلك لا يمكن ان تقبل بالأمر بسهولة .وكون الكثير من مؤسسات الدولة والمجتمع القديم ستبقى من دون وظيفة وغير فعالة وذات مكانة مهزوزة ، فأن ظهور خروق قانونية او ادراج العنف وارد في كل آن . يدرج هذا الوضع الدفاع المشروع على جدول الاعمال كحق لا يمكن التخلي عنه في القانون ، ويجب فهم مضمون وشكل الدفاع المشروع بنحو جيد ، وعندما يكون الافراد والجماعات أصحاب الحق في وضع دفاع جوهري عن حقوقهم المنصوص عليها في الدستور والمعاهدات والقوانين الدولية ، فبإمكانهم ان يستخدموا حق المقاومة حتى يحصلوا على حقوقهم بجميع السبل ابتداءً من الانتفاضة الى المظاهرات ومن تقديم عرائض جماعية حتى اللجوء الى المحاكم بشكل عام او جزئي وبشكل فردي او جماعي ، حيث يمكن لشعب هضمة حقوقه ولغته وثقافته أن يلجأ الى مقاومة طويلة أو قصيرة الأمد بحسب الحاجة ، إذا كانت طرق الحل القانونية والسياسية مغلقة .إن ذلك ليس عصيانا” بل هو حق قانوني مشروع ، وعدم القيام به يعد انتهاكا” للقانون .يعد عدم المطالبة بالحقوق او عدم استخدامها اكبر انتهاك للقانون ، وتكون قوانين الغابة سارية المفعول في المكان الذي يوجد فيه ذلك. لذا يكون الافراد والمجموعات والشعوب صاحبة الحق منتهكة للقانون في حال سكوتها على هضم حقوقها ويعد طلب الحق وإذا اقتضت الضرورة القيام بانتفاضة عند اغتصاب الحقوق حق مقاومة مقدس ، وهذا هو جوهر القانون والعدالة ، وليس لاي شخص او شعب الحق في السكوت أو الرضوخ  امام انتهاك حقها ، فانتهاك القانون وتسميم المجتمع والدولة ناتج عن ذلك الرضوخ ، كما ان الدفاع المشروع هو الوقفة القانونية الأساسية التي لا يمكن التخلي عنها ابدا” في ولادة الحقوق واستخدامها ، إذ لا يحق للشعوب والجماعات والافراد التي لا تلبي مقتضيات ذلك ان تعد نفسها من البشر أو ان تشكو . ان حقوق الفرد المدنية والاقتصادية والاجتماعية وحقوق الشعوب في الثقافة وحق تقرير المصير التي تعد حقوق الجيل الأول والثاني والثالث والتي جعلها القانون الدولي حقوقا” لا يمكن التخلي عنها واعطائها طابعا” رسميا” تمثل القيم المتصاعدة للعصر، وتشكل احدى الركائز الأساسية التي تعتمد عليها الحضارة الديمقراطية .لقد كان تمجيد العنف الثوري مليئا” بالمبالغات والاخطاء ولم يؤدي هنا دور المقابلة ، بل لم يتردد في أداء دور كبير في إجهاض قيصري ، فممارسة العنف المتطرف عموما” هي من سمات الطبقات المهيمنة والمستغلة ، نتيجة شعورها  بالخوف واللصوصية التي تمارسها ، ولتتخلص من ذلك الخوف تقوم بالحصول على الأسلحة الجديدة باستمرار وتكثف من اعمال القتل والجرائم وترتكب المجازر، حقا” انها تشعر بالحاجة الى تمجيد العنف بخلق ذرائع كثيرة ، مثل ممارسة العنف تحت اسم” الله “و ”  لأجل سلامة واستقرار المجتمع ” وكلها لا خفاء الطابع الحقيقي للحروب التي تعد كل واحدة بمفردها مجزرة رهيبة ، اما في الواقع فإنهم يمارسون كل أنواع السلب والنهب المنظم ، ولا يتورعون عن ارتكاب كل أنواع الجرائم من اجل ذلك ، والعنف الذي ممكن الدفاع عنه والذي يمارس من اجل التحول والسلامة الاجتماعية هو العنف المستخدم في الدفاع المشروع عن الذات الذي ينبع من تعريف القانون العالمي ، والمقصود هنا هو العنف الذي يتم اللجوء اليه للحماية والدفاع عن النفس ضد الاعتداءات الداخلية او الخارجية  التي تسعى الى التدمير او الدمج او إجراء تحولات بالقوة ، اما أنواع العنف الأخرى التي تتجاوز هذا الهدف مثل العنف المستخدم في احتلال الكيانات الاجتماعية الأخرى او الاستيلاء على القيم المادية والمعنوية ، او في اجراء التحولات القسرية  عن طريق عمليات الدمج ، فإنها تحمل صفة رجعية يجب التخلي عنها ، ولا يمكن لعمليات الارغام والاكراه هذه ان تحمل صفة القابلة سواء تمت ممارستها باسم الله او باسم الوطن او تحرير الامة ، ولا تحمل أي صفة اكثر من كونها عمليات قتل ونهب واستبداد .لقد تطرقت الاشتراكية المشيدة والكثير من حركات التحرر الوطني التي سارت على نهجها في ممارسة العنف بنحو واسع ولم تستطع التخلص من ان تكون محكومة بنظام حماية يعتمد على العنف فقط ، ان هذا الموقف يعكس قطعا” طابع الفئات المهيمنة المستغلة، ولان استخدام العنف كان باسم الاشتراكية والتقدمية فقط جلب معه انحلالا” جادا” ،وقد تأكد مرة أخرى من خلال النماذج التي قدمتها الاشتراكية المشيدة انه لا يمكن ان  يكون العنف أسلوبا” للطبقة العاملة وللشعوب المسحوقة ، اما الدفاع المشروع فهو عمل مقدس وحق يجب ممارسته لتحقيق الحرية وحماية الكيان ضد جميعا لاعتداءات الظالمة التي تستهدف القيم الحياتية مهما كانت الظروف التي يجري فيها من دون النظر الى زمانها ومكانها .ان استخدام العنف في الدفاع المشروع يتم فقط عند مواجهة هجمات تهدف النيل من المبادئ المادية والايديولوجيا للكيان الاجتماعي وفي مراحل تطور الحرية وخاصة في لحظات التحول النوعي ، أي ان هذا النوع من العنف يظهر في مواجهة العنف الذي تمارسه القوى التي تعمل على إعاقة التطورات في اثناء الولادة الثورية ، فاستخدام العنف ضمن هذا الاطار يكون مشروعا” بل وضروريا” ، وكل شكل من اشكال العنف يتجاوز هذا التعريف سيؤدي الى وضع غير عادل وخسائر غير ضرورية والى تحريفات جادة ، وهناك الكثير من الأمثلة التي تشير الى انه لم يتم تقديم الدعم اللازم للقوى التي تخوض حربا” لحماية نفسها وتطوير حريتها بالقدر الذي حدث في الممارسات التي بولغ فيها باستخدام العنف بهذا المعنى في العديد من التطورات المرتبطة بالاشتراكية العلمية ، فنظرية العنف تأتي في مقدمة المواضيع التي أخطأت فيها الاشتراكية المشيدة ، وكان لهذا الخطأ تأثير حاسم في انهيار الاشتراكية المشيدة عن النتائج المأساوية التي تعرضت لها الكثير من الممارسات الثورية ذات الأهداف السامية والمساعي المقدسة لها علاقة بذلك الواقع ، وستخلق التركيبة الإنسانية الجديدة في مرحلة الحضارة الديمقراطية الكثير من الاطروحات والاطروحات المضادة المتشابكة ذات الاتجاهات المتعددة ،  كما وستخلق في النتيجة نضالا” لا يعتمد على العنف ، إنما على حق الدفاع المشروع عن الحقوق الكونية الأكثر إنسانية والمتعددة الألوان .ومازال عصرنا بعيدا” عن خلق تركيبة رغم امتلاكه لرصيد من التطور في هذا الجانب ، وهو ما يحدث في الكثير من المراكز الهامة في العالم . إن تحويل مفاهيمنا وقدرة ملاحظتنا الى التراث الثقافي للشرق الأوسط الذي اصبح مهد الحضارة من جديد ، وخلق شبابه وتقييم افقه وقوته الكامنة ، سيؤدي دورا” في اظهار تركيبه المحتمل من اجل الحل السبيل الأكثر تأثيرا” للتغلب على عقلية السلطة القتالية ، هي بلوغ الشعوب أنموذج السلوك الديمقراطي .إننا لا نتكلم في هذا المصطلح عن مفهوم ” العين بالعين والسن بالسن ” . فالحالة الديمقراطية ، وإن امتلكت نظاما” دفاعيا” يتضمن العنف ، تعني بالأساس اكتساب ثقافة تكوين الذات بحرية ؛ وبالذات عبر الصراع مع الذهنية الحاكمة . إننا  نتطرق الى موقف أبعد بكثير من حروب المقاومة والدفاع . إنه التعمق في مفهوم حياة غير متمحورة حول الدولة، وادراجه حيز التنفيذ .فانتظار كل شيء من الدولة ، اشبه بالتعلق بصنارة جناح السلطة القتالية .قد تمنحك طعما” ، ولاكن بغرض اصطيادك  لا غير الخطوة الديمقراطية الأولى هي تنوير الشعوب في موضوع الدولة .والخطوات اللاحقة لها هي التنظيم الديمقراطي الشامل والعمليات المدنية .لا تطرح حروب الدفاع الديمقراطي في الميدان ضمن هذا الاطار ، الا عند الضرورة .إذا ما عملنا على تحليل الحرب كظاهرة ،سنشاهد انها مرض يجب الا ينسجم او يتوافق مع المجتمع البشري .ذلك انه لا يمكن النظر لاي حرب بأنها مباحة ، مالم تكن بغرض الدفاع الاضطراري والمحتوم . فالحرب تتضمن السلب والنهب والاضطهاد .وهي بطبيعتها تعني الاستيلاء والتسلط والقمع والدمار ، مهما اريد مواراتها بأقنعة مختلفة .ويسودها الاعتقاد بالحق في تملك كل شيء ب ” الفتح” .من هنا،  وحسب هذه السمات الأساسية ، لن يكون خطأ نعت الحرب بأنها اخطر وافظع السيئات والكوارث .لم نكن ندرك بعمق آنئذ ، ان الحرب لن تكون ذات معنى ، الا في حال انعدام وانسداد كل الطرق الأخرى المؤدية للحفاظ على الوجود والحرية والكرامة وتوطيدها .ماكنا ندركه كان شمولية الحرب التحريرية الوطنية ل ” فتح” كل شيء تكرارا “ومرارا” ، بحيث يمكنها- وبكل سهولة – اختراق اطار الدفاع المشروع ، للتحول بالتالي الى وسيلة انتقام واستيلاء متبادل دون التخوف او الارتباك ابدا” من جوانبها هذه. ولو عولجت حرب الدفاع المشروع بجدية وحددت الفوارق بين استراتيجيتها وتكتيكاتها وبين بقية أنواع الحروب ،لما تم الوقوع في العديد من الأخطاء الحاصلة او تكبد هذا الكم من الخسائر والآلام .لقد تضمن عقد الآمال كلها على النصر في الحرب التحريرية الوطنية ضميرا” ومخاطر جدية بالنسبة للواقع الموضوعي القائم .

يتبع ..

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.