التطابق بين القول والفعل

علينا هنا أن نكرر بكثافة إن القول وحده لا يكفي في أي شيء. كي ننتقد اية ظاهرة مرضية أو سلبية ضمن الحياة و المحيط فعلينا قبل كل شيء أن نتنزه عن ذلك و أن نكون قدوة بفعلنا و ليس القول و النقد المجرد.

كل الشهادات التاريخية على حقيقة الحركة تؤكد دون أدنى ريب أن  هذه الحركة كانت الأكثر عملاً و نضالاً و إنتاجاً و إبداعاً للقيم و المكتسبات الجديدة على المستوى الوطني و الإقليمي. بالإضافة إلى خلقها لشخصية عصرية مناضلة ووطنية مستعدة للتضحية بكل غالٍ و نفيس لأجل الحرية و الكرامة و السمو. بهدم ركائز الذهنية والأعراف التقليدية السائدة و المتعفنة، تمكنت من إحلال قيم و مُثل جديدة قوامها الحرية و الكرامة و العصرنة و الأممية. كل هذا النضال الذي لا مثيل له و ما تمخضت عنه من نتائج مدهشة كانت ترتكز منذ البداية على القوة الذاتية والإرادة الحرة للحركة دون التخبط في الأخطاء التي انغمست فيها الحركات و الأحزاب اليسارية و القومية الأخرى من أخطاء و نظريات و استراتيجيات لم تجلب أية نتيجة تذكر. هنالك الكثير من النقاط و السمات التي تميّز الحركة عن باقي الأحزاب و الحركات الكردستانية و الإقليمية، و حسب الكثير من القناعات، فأن النقطة الأكثر لمعاناً التي تميزها هي تطابق القول و الفعل ضمن الحركة.

كل القيم السامية التي خلقتها الحركة من مكانة القيادة و مرتبة الشهادة و سمو المقاتلين و تضحيات الجماهير تعبرّ بكل وضوح عن أن هذه الحركة الكادحة تفعل أكثر مما تقول وتقول ما فعلته. أي القول للفعل و ليس القول للقول. وكثيراً ما يكون القول دون فائدة، حينها لا مفرّ من العمل الفعّال على أعلى المستويات. و ما العمليات الفدائية التي قام بها قناديل درب الأمة الكردية من الشهداء إلا صورة لهذا الأمر.

ما تم ذكره آنفاً يشكل الإطار العام لمفهوم الحركة و ميزة مهمة من ميزاته الرئيسية. و مع انعكاس القيم العامة في الظروف الخاصة فإنها تتبدل و تتغير لدرجات متفاوتة. و قد يكون هذا التفاوت حسب متطلبات العمل النضالي و ظروف الزمان و المكان و المحيط الاجتماعي، و الأهم من كل شيء متوقف على الشخصيات و الأفراد المعنية بهذا الأمر. فهنالك مناضلين يستأثرون بالفعل و الفعل و الفعل و هنالك آخرين يحبذون الفعل و القول و القول و هنالك آخرين آثروا القول ثم القول ثم القول. بالطبع حسب قيم و متطلبات عملية التحول الحزبي التي نسعى إليها جميعاً تكون معاكسة لها و بعيدة كل البعد عن مميزات الشخصية الثورية. هنالك سببين رئيسين لوجود و ديمومة هذا النموذج من المتكلمين فقط، السبب الأول نابع من شخصياتهم و السبب الثاني و الأهم حسب رأينا هو النموذج الأول، أي النموذج الذي يعمل و يعمل و يعمل. كونه أثناء انغماسه في العمل الكلي يترك فراغاً في ساحة القول، و لنقل النظرية للنموذج الثالث الذي يقتاد على القول فحسب. لكن على الرغم من أن تثبيت كارل ماركس (إنهم يعملون و لكنهم لا يعلمون) ينطبق على النموذج الأول، إلا أنهم نموذج كادح، أصيل، ثوري و مضحي. و كل ثورة و حركة مناضلة تحتضن الألوف من أمثال هذا النموذج. لولا النموذج المتكلم فحسب، لكان النموذج العامل فحسب هو نموذج مثالي لكل ثورة و خاصة ضمن حركتنا.

هكذا فإن النموذج الذي يقول و يفعل، يفعل و يقول هو النموذج الأمثل لحركة كحركتنا السياسية و العسكرية و التنظيمية الملتزمة بالمركزية الديمقراطية. لذا فإن من إحدى المتطلبات الرئيسة لإجراء التحول الحزبي في الشخصية المناضلة هو المعرفة الإيديولوجية بجانب الفعل العملياتي الثوري. حينها سيكون من السهولة بمكان معرفة الشخصية النضالية الحقيقية من التقليدية. حيث لم تأتي هباءً الجملة التي نرددها كثيراً في وسطنا الثوري: ” لا تنظر إلى قوله بل إلى فعله”. و لكي تكتمل هذه المعادلة و تجد التوازن المطلوب فهنالك جملة أخرى كنا قد أوردناها في الحلقة الأولى من هذه السلسلة و هي تثبيت جوهري للقائد، ما معناه” الذي لا يكون فكره معنا فلن يكون عمله أيضاً معنا”. هذا التثبيت يؤكد ضرورة النقاء النظري في الفكر و القول ضمن الثورة.

نستنتج مما ورد بأن الفعل و الفعل و الفعل فحسب، على الرغم من أنه يمثل كثيراً من الجوانب الايجابية إلا أنه يحمل النقيصة في العديد من جوانبه. أما القول و القول و القول، فهو ليس ثرثرة و تخبط كلامي فحسب، بل مرض تنظيمي و عاهة طفيلية مضرة و يجب محاربتها بكل السبل الثورية. أما النموذج الأمثل فهو التوازن و الاعتدال ما بين القول و الفعل و بالعكس.

يكتسب خاصية التطابق بين القول و الفعل بالتجربة و اكتساب الخبرة من الرواد و أصحاب الخبرة و من إحدى هذه السبل كما يقول القائد ” فإن كانت لهم نواقص نظرية يمكنهم الانزواء للقراءة لتجاوز ذلك… وانأ أيضاً، بهذه الظروف، أقرأ كل يوم لأجل تطوير ذاتي.” و من ثم يأتي دور تطبيق ما تعلمنها في الحياة العملية و بذل الجهود ضمن الحركة. فمن البديهي تقبّل الشخصيات الكادحة و العاملة ضمنها، كونها- حركة للكدح. و ما القول للقول فقط و الديموغاجية إلا انحرافاً إيديولوجياً مقيتاً. بهذا الصدد يقول القائد: ” لا يمكن ملاحظة قروي ارتقى إلى مصاف أرباب العمل إلا بنهب الكدح. ولا يوجد ديماغوجي أحرز نصراً عسكرياً أو اكتسب قوة سياسية ما لم يخدع الناس بشكل فظ. فالنجاح هنا يكمن في سرقة الأول وخداع الثاني للناس. النهابون يسرقون ويعيثون ويصولون، ويصبحون من كبار الرجال. أما الديماغوجيون فينوّمون الناس بالأكاذيب والخدع، و لربما يصبحون بذلك ديكتاتوريين. وكثيراً ما نرى هذه الأمثلة في عالمنا. وفي داخلنا أيضاً ثمة من يريدون البروز بذلك كل يوم. لكنني أقول بصراحة، لا يمكن العثور في طرازنا القيادي على محاولة سرقة الجهود أو خداع الغير بالثرثرة السفسطائية. كلا! لا يمكن ملاحظة السلوكين قط لدينا.”

علينا هنا أن نكرر بكثافة إن القول وحده لا يكفي في أي شيء. كي ننتقد اية ظاهرة مرضية أو سلبية ضمن الحياة و المحيط فعلينا قبل كل شيء أن نتنزه عن ذلك و أن نكون قدوة بفعلنا و ليس القول و النقد المجرد. فحين ننتقد ظاهرة ما و نفعلها بأنفسنا فسيكون ذلك الديموغاجية بعينها. و هذا أبعد ما يكون عن متطلبات عملية التحزب التي بدأتها الحركة مجدداً بعد إعادة إنشاء الحزب ربيع سنة 2005. هنالك الكثير من الظواهر و السلوكيات السلبية التي سنحاربها من خلال عملية التحزب. و لكي نحاربها يجب قبل كل شيء أن نتطهر منها و نقتلها في شخصياتنا، و إلا فإننا سنفقد المصداقية لدى المحيط و لن يقتنع أحد بما نقوله و ندعو إليه و ننتقده.

– فكيف سينتقد أحدنا ظاهرة الملكية الخاصة وهو يملك الكثير منها؟

– كيف سننتقد ظاهرة الثقافة المبتذلة من موسيقا وفنون و نحن نميل إليها و نمارسها؟

– كيف سندعو إلى تقوية روح الرفاقية و العلاقات الثورية السامية و نحنُ لا نتعامل إلا مع من تميل إليهم ذواتنا، و نبتعد عن غيرهم لأنهم ليسوا كما تريده ميولنا المختلفة؟

– كيف سندعو إلى حماية القيم المادية للحركة و نحنُ نستهلك القيم المعنوية و الإنسانية دون رحمة؟

– و كيف و كيف و كيف…؟ و العشرات من الأسئلة البديهية التي نعرفها جميعاً، و على الرغم من هذه المعرفة إلا أن تطبيق ما نعرفه يكون ضعيفاً و غير مؤثر دائماً.

أما الذين يتكلمون و لا يعملون أو بالأحرى لا يطبقون على أنفسهم ما ينتقدونه في الآخرين خاسرين دائماً و لن يستمع أحد إليهم حتى ولو كانوا محقين نظرياً في أقوالهم و انتقاداتهم و تثبيتاتهم النظرية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.