الحياة الندية

كتاب “الحياة الندية” للقائد عبدالله أوجلان يتناول مفهوم الحرية والديمقراطية من منظور فلسفي وسياسي، حيث يركز على أهمية بناء مجتمع يتيح لكل الأفراد التعبير عن أنفسهم بحرية، ويعزز من قيم العدالة والمساواة. يناقش القائد أوجلان أيضًا دور المرأة في المجتمع ودورها المحوري في تحقيق التغيير الاجتماعي.

الحياة الندية

عبدالله أوجلان

من ابعاد الامة الديمقراطية

منشورات لجنة بحوث العلوم الاجتماعية

 

الحياة الندية المتماثلة الحرة (حياة الشراكة الحرة).

 

من دون استيعاب العلاقات بين المرأة والرجل ،لا يمكن ادراك او حل أية مشكلة اجتماعية بالدرجة الكافية .إذ تتخفى وراء القضايا  الاجتماعية إشكالية العلاقات بين الجنسين .فلدى قيام مؤسسة الزواج -المفروضة على المرأة في المجتمع الهرمي ومجتمع المدنية بمنوال احادي الجانب -بإنشاء حاكمية الرجل المتعدد الجوانب ، يكون بذلك قد رصفت أرضية مؤسسة عبودية وتبعية خاصة بالمجتمع البشري ، وربما لم يشهدها أي كائن حي آخر في الطبيعة .وكل تمايز ٍ مجتمعي وطبقي وقومي بين الساحق والمسحوق ، إنما يرتفع دوما” على هذه الأرضية .كما ويتستر هذا الواقع خلف جميع أشكال النزاعات والمشاحنات والحروب .بينما ما حجبه تاريخ المدنية ووارته الحداثة الرأسمالية بالا كثر بوصفها آخر مراحله، هو ذاك الواقع المعني بوضع عبودية المرأة التي طوبق بين أسمها والشيطان في مجتمع المدنية هي حسب سلوك الامتثال في سوسيولوجيا الحداثة أم الطفل ذات الشخصية الأكثر طاعة والعاملة مجانا” في المنزل .إدراك كافة أشكال ومضامين مستوى العبودية التي شربت حياة المرأة بها على مدى آلاف السنين بيد الرجل وبعقله الظالم والاستغلالي ، أمر كان يتوجب اعتباره أول خطوة على درب سوسيولوجيا الحقائق .ذلك أن معالم العبودية والاستغلال الاجتماعيين . والعكس صحيح . أي أن كفاح الحرية والمساواة إزاء العبودية والاستغلال المضمنين في حياة المرأة ومستوى المكاسب المحرزة في هذا الكفاح ، يشكل أرضية كفاح الحرية والمساواة تجاه العبودية والاستغلال في جميع الميادين الاجتماعية .من هنا فالعجز عن الفهم الكافي لمؤسسات وذهنيات العبودية والاستغلال والتي طعمت حياة المرأة ورسمت ملامحها بها وعدم اتخاذ الكفاح ضدها أساسا” ؛ إنما يعد العامل الاولي الكامن وراء عدم التمكن من تطور النضال بخطى سديدة على درب الحرية والمساواة ، ووراء العجز عن الانتهاء بذلك النضال الى نصر مؤزرٍ طيلة تاريخ المدنية عموما” والحداثة الرأسمالية حصوصا” .الا يقولون ان السمك يفسد من رأسه أذن ،وعندما لا تكون الأرضية قويمة سليمة ، فالبناء الذي يشاد عليها لن يتخلص من الانهيار مع أي ارتجاج صغير . والواقع المعاش تاريخيا” وراهنا” ، مليء بعدد لا حصر له من الأمثلة الدالة على ذلك بناء” عليه، فالتركيز على ظاهرة المرأة ، والانتهال من حياة المرأة كمصدر أولي لمساعي الحرية والمساواة لدى الشروع بتحليل القضايا  الاجتماعية ؛ ينبغي أن يكون أسلوبا” بحثيا” رئيسيا” من جهة وأرضية للجهود العلمية والأخلاقية والجمالية المبدئية من الجهة الثانية .ذلك أن أسلوب البحث الذي تغيب فيه حقيقة المرأة ، وكفاح الخرية والمساواة الذي لا يتخذ من المرأة محورا” له، لن يقدر على بلوغ الحقيقة ،ولا على نيل الحرية وتوطيد المساواة .تعريف المرأة أولا”، وتحديد دورها في الحياة الاجتماعية شرط أساسي من أجل حياة سديدة. لا نوضح هذا الحكم من جهة الخصائص البيولوجية للمرأة أو وضعها الاجتماعي . فالمهم هو مصطلح المرأة  كوجود. إذ بقدر ما تعرف المرأة يغدو تعريف الرجل أيضا” امرا” واردا” . محال علينا صياغة تعريف صحيح للمرأة والحياة انطلاقا” من الرجل. ذلك أن الوجود الطبيعي للمرأة يتحلى بمنزلةٍ محورية ٍ أكثر. الامر كذلك بيولوجيا أيضا” . لذا ، فلجوء المجتمع الذكوري المهيمن الى الحط من شأن المرأة وتهميشها الى أقصى الحدود ،ينبغي الا يعيق استيعابها لحقيقة المرأة وواقعها .هذا وطبيعة الحياة مرتبطة أكثر بالمرأة . واقصاء المرأة من الحياة الاجتماعية الى أخر درجة ، لا يؤكد خطأ هذه الحقيقة بل بالعكس ، يؤيد صوابها .ففي حقيقة الامر ، يهجم الرجل بتعسف وجورٍ وبقوته المبيدة على الحياة متجسدة” في المرأة .وعداء الرجل للحياة وافناؤه إياها بوصفه مسيطرا” اجتماعيا”، إنما هو على علاقة ٍ كبيرةٍ كثيبةٍ مع الواقع الاجتماعي الذي عاشه .بوسعنا اتخاذ قرنية الطاقة -المادة أساسا” ، لدى تصييرنا هذا الحكم عالميا” . الطاقة أساسية أكثر نسبة ” الى المادة. والمادة بذاتها طاقة ٌ متحولةٌ الى بنية .اي ان المادة هي الشكل الذي يخفي الطاقة ويحددها بملامح وجودية .بالتالي، فهي بخاصيتها هذه تحبس الطاقة في قفص ،وتوقف تدفقها . لكل شكل مادي حصة مختلفة من الطاقة .وبالأصل ، فهذا الاختلاف في الطاقة هو الذي يحدد اختلاف وتباين الاشكال والبنى المادية .الطاقة الموجودة في شكل المرأة ومادتها تختلف عن تلك التي مادة الرجل .ذلك أن الطاقة المنقولة الى المرأة أكثر كما” ومختلفة نوعا” على حد سواء .وينبع هذا الاختلاف من شكل المرأة .عندما تتحول طاقة الرجل في الطبيعة الاجتماعية الى أجهزة السلطة ، فأنها تتخذ لنفسها الاشكال المادية الملموسة والاشكال تعصبية ٌ في الكون برمته ، بوصفها طاقة متجمدة . لذا، فالتحول الى رجل مسيطرٍ في المجتمع ، يعني التحول الى شكلية السلطة .وفي هذه الحالة ما تكون الطاقة اكتسبت شكلا” عينيا” .وقليلة هي الطاقة غير المتحولة الى شكل ٍ ملموس ، حيث تشاهد في عدد نادر من الأشخاص أما لدى المرأة ، فغالبا” ما تعاند الطاقة التحول الى شكلٍ ملموس .حيث تحافظ طاقتها على حالتها المتدفقة .وتستمر في تدفقها كطاقة حياة، في حال لم تحبس في شكل الرجل وقفصه والجمالية والشاعرية والقابلية الايقاعية المميزة (الطاقة الكامنة للمعنى) لدى المرأة غير المتجمدة ، هي ذات صلة وثيقة مع حالة الطاقة الطافحة هذه. ولا جل فهم هذه الحقيقة ،يتوجب أدراك الحياة الحية بكل أعماقها .يمكن نسبيا”- أو يجب – صياغة تعريف للتطور الطبيعي لحياة تطال حتى الانسان . ينبغي أولا” السؤال عن غاية الحياة .لماذا نعيش؟ لماذا تواصل الحياة نفسها وتغذيها وتصونها؟ بديهي أن القول بضرورة المأكل والمأمن والتكاثر لأجل الحياة ليس جوابا” كافيا” .إذن، السؤال الذي يتوجب طرحه هو :لماذا نتكاثر ونتغذى ونحمي أنفسنا؟ وعندما يكون الجواب : ” كي نعيش ”  فإننا نسقط حينئذ ٍ في دوامةٍ مسدودة، مما لا يفيد بإعطاء الجواب .ظاهرة الفهم والمستويات الذهنية المتطورة والمتنامية كشكل من أشكال الطاقة التي تصل مرتبة الانسان ؛ تمدنا ببعض رؤوس الخيط لا جل الجواب .فالتطور الطبيعي للكون ، والذي يبلغ منزلة الانسان ، إنما يبسط للعيان قوة معنى متنامية ومزدهرة دون انقطاع .وكأن الواقع الخفي أو الكموني المستتر في الكون ، يروم الى بلوغ نتيجة أقرب ما تكون الى الانكشاف والتجلي والفهم المتبادل .الحاجة الى الفهم المتبادل محرض ومحفز أساسي على التطور الطبيعي .بالتالي، فالسؤال الواجب طرحه من الان فصاعدا” ينبغي أن يتعلق بالفهم المتبادل ذاته .ما هو الشيء المراد فهمه وأفهامه؟ إن الحكم المذكور في الكتاب المقدس ، والذي نصه ” يقول الله :كنت سرا” ،فخلقت الكون لأفهم ” ، قد يكون جوابا” لسؤالنا ولاكن غير كافٍ .فالحاجة الى التعريف بالذات لا تكفي تماما” لتعريف المعنى ، لكن وكأنها تفشي جزئيا” في سرها بالحياة .تعريف ” الروح المطلقة ” أيضا” لدى هيغل  له معنى مشابه . فالكون لدى هيغل قد عاد الى نفسه  معرفةٍ من خلال الروح المطلقة .فالكون المراد معرفته ، يقوم هو بذلك عن طريق الروح المطلقة ، أي بالوعي الفلسفيَ الذي هو أكثر حالات الوعي مهارة وكفاءة ، وذلك بعد مروره بالمراحل  الفيزيائية  والبيولوجيا والاجتماعية؛ ليشعر بالرضى عن قدرته على التعريف بذاته ، فيكمل مسيرة مغامرته بتصيير نفسه كونا” معروفا” ومفهوما” .”theorea“هذه الاحكام المتميزة بنسبةٍ هامة ٍ من الحقيقة ، تطابق بين غاية الحياة والمعنى. ومصطلح النظرية في الفلسفة اليونانية يتضمن معاني مثيلة .وكنتيجة ،ف ” المعنى” تأليه  للإنسان الاجتماعي .والتساؤلات الهامة هنا هي : أيمكن لتأليه الانسان الاجتماعي، أو لقوة ” المعنى” الذي حاز عليها أن تمثل أو تعبر عن كافة المعاني التي في الكون أو يمكن المطابقة بين المعنى الأقصى في المجتمعية (الروح المطلقة لدى هيغل) والمعنى الكوني ذاته ؟ أو ليس المجتمع بذات نفسه كيانا” ناقصا” ؟ وألن يكون معناه ناقصا” في هذه الحالة ؟ لكننا لن نستطيع الرد تماما” على هذه الأسئلة ما دمنا بشرا”. فنحن محدودون بالمجتمع ، ولا يمكننا التحول الى  موجودات فو مجتمعية بإمكاننا طرح الأسئلة ، لا غير .ويمكن حسن طالعنا في أن طرح السؤال نصف الفهم .بالتالي، بمقدوره تزويدنا برؤوس الخيط بصدد الفهم (المعنى المطلق) .هكذا بوسعنا حاليا” الشعور بالطمأنينة والرضا ، لإدراكنا الضرورة القصوى  للتحلي بالمعنى ، وانتباهنا إلى دنوه كثيرا” من فهم غاية الحياة الأساسية والامساك بها .بناء” عليه ، بإمكاننا الحكم على انفسنا بأننا ماهرون وقادرون على حل قسمٍ كبيرٍ من القضايا الأولية .

يتبع ….

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.