قضية الصراع العربي اليهودي

كتاب “قضية الصراع العربي اليهودي” للقائد عبد الله أوجلان يتناول جذور الصراع التاريخي والسياسي بين العرب واليهود، مستعرضًا العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي ساهمت في تأجيجه. يقدم القائد أوجلان تحليلاً عميقًا للأبعاد الفكرية والعملية للصراع، ويستعرض رؤى حول إمكانية تحقيق السلام والتعايش بين الطرفين من خلال فهم مشترك للتاريخ والمصالح.

قضية الصراع العربي اليهودي

عبدالله أوجلان

منشورات أكاديمية عبدالله أوجلان للعلوم الاجتماعية

الطبعة الأولى 2024

مطبعة الشهيد هركول

تطور القبلية اليهودية والعربية

يأتي الواقع العربي الإسرائيلي ذا الجذور السامية على رأس الظواهر التي شغلت وستشغل المنطقة كثيرا”، إذ ترجع جذور

المشكلة إلى أربعة الآف سنة قبل الميلاد ،وكانت الثقافة السامية في مرحلة التكون بين الألف التاسع والألف السادس قبل   ميلاد ،ومن ثم انتشرت باتجاه الشرق والغرب والشمال والجنوب ، وكانت المناطق الداخلية لشبه الجزيرة العربية التي ولدت فيها  تمتلك مناخا” ملائما” منذ الأف التاسع وحتى الألف الثالث قبل الميلاد ،حيث أدى المناخ الملائم دورا” أساسيا” في تكوين لقبائل السامية التي أظهرت تأثيرها في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية وافريقيا الشمالية وشرق البحر المتوسط وحتى ضفاف نهر الفرات وجبال طوروس ،وتشكلت عدة لهجات سامية مختلفة في هذه المرحلة . لقد اسرع الجفاف الذي حدث في الأف الثالث قبل الميلاد في نزوح القبائل نحو المناطق الملائمة للعيش وكانت بموقع القوة العاملة الأساسية في تكوين الحضارة المصرية والسومرية. وكانت من أولى القبائل التي عملت بالتجارة بين تلك الحضارتين وفيما بينهما .لقد أطلق السومريين على هذه القبائل  التي توجهت اليهم اسم العموريين ،أما المصريون فقد اطلقوا عليهم اسم أبيرو (وتعني القبائل الصحراوية ومن هنا يأتي  أساس كلمة عبري) .حكم العموريين السومريين تماما” في عصر الاكاديين والبابليين والآشوريين ،أما العبريون فقد تراوحوا صعودا” وهبوطا” بين الأثنين. وفي الوقت الذي كان فيه إبراهيم ينزل من أور و”معناها المدينة ذات التلال ” اورفا ، يخرج موسى من مصر  حيث كانت حرب تحرير ضد الحضارة العبودية الى حد ما ، وانتهت هذه المرحلة بظهور الأديان التوحيدية نتيجة التأثير  المكثف من الحضارتين . يكتسب الدين التوحيدي أهمية من ناحية الحياة الروتينية للقبائل وحاجتها للتوحيد أمام تعدد الآلهة عند المصريين والسومريين .  إذ لا يمكن توحيد وتسيير القبائل الا عن طريق الايمان بإله واحد وصارم . لقد أدت تأثيرات ظروف شبه الجزيرة العربية دورا” مصيريا” في هذا الظهور الديني ، ونفهم أنه تم الوصول الى هذه   المرحلة بعد الأديان المتعددة الآلهة والطوطمية من خلال حرب تكوين الأديان التوحيدية .  إن المرحلة التي بدأها إبراهيم قد أصبحت دين القوم مع موسى ،ودينا” كونيا” مع عيسى وأصبح دين العرب مع محمد ، ودين الإنسانية لأخر مرة ، إن ما قام به عيسى باسم الفقراء قد قام به محمد باسم التجار ، أي باسم الطبقة الوسطى  ونسبة لكونية هذه الطبقات يظهر الاثنان قوة تطور كدين كوني .أدى أصرار اليهود على دين القوم لان يصبحوا احد العناصر الكبرى في التغيير التاريخي . فاليهودية بجانبها هذا هي في موقع القوة الأساسية للتحول والارغام والتحريض في صدر الإنسانية ،وتواصل دورها هذا منذ ظهورها وحتى الان .لقد ظهر العرب كأخر جيل للقبائل الصحراوية على ساحة التاريخ بعد ان قاموا بانفجار كبير مع قيام النبي محمد بتجديد  دين النبي إبراهيم ، ويشكل الإسلام والله والقومية العربية هوية ونسيجا” إيديولوجيا” مترابطا” بإحكام ، في الواقع وكما يتضح من الناحيتين العرقية والينية ، فانهم أقرباء لليهود ،ويأتي ازدياد التناقض فيما بينهم  من التمايز الطبقي .وتقديم الصراع خطوة الى الامام بين اليهود الذين أصبحوا اثرياء من التجارة  والعرب الذين يعبرون عن اخر اتحاد للقبائل الصحراوية مع ظهور الإسلام . في الحقيقة لقد بدأت هذه المرحلة مع إبراهيم الذي قام باإنطلاقات ضد ملوك المدن السومرية الاغنى من العبريين ، كما وجه موسى نفس القبائل الفقيرة ضد الملكية المصرية . ويتواصل هذا النوع من الصراعات في إسرائيل الحالية ، ولم يكن هذا الصراع اقل من صراع الهلينيين مع الرومانيين، والبابليين مع الاشوريين . اذ تعود الخبرة اليهودية الكبيرة في التاريخ الى الدروس التي تلقوها  من هذا الصراع   وقوة التجارة . لقد تعرض اليهود الى أكبر تهجير من قبل الرومانيين بعد الذي تعرضوا له على يد البابليين  وانتشروا في جميع انحاء العالم بعد عام 70م . ان امتلاك اليهود للذهن التجاري الأكثر مكرا” في العالم ، حرض المجتمعات التي اقاموا فيها وهذا ما أدى الى تعرضهم  للإبادة بنحو متكرر . اصبح ظهور الدولة الإسرائيلية امر لابد منه مع الفاشية الألمانية الهتلرية ، ان إسرائيل هي تسديد الأوساط المحيطة  وفي مقدمتها العرب فاتورة الإبادة التي مارستها الفاشية الألمانية بحق اليهود . ويأتي اليهود في مقدمة  قائمة المجموعات المؤثرة في تطور وانتشار الرأسمالية لاسيما في الحضارة الاوربية وامريكا. ولهم تأثير في التجارة والمال والعلم والفن  وحتى في الأماكن الحساسة في السياسة في جميع انحاء العالم تقف وراءهم الحضارة الرأسمالية . لقد ازدادت تناقضاتهم مع العرب حول موضوع الأرض  ولا يمكن إزالة إسرائيل لاكن تحول شكلها الموجود  يمكن ان ينتج وسائلا” للحل ، كما ان تحول القومية العربية أيضا” شرط . وفي حال العكس فإن وجود قوميتيين قد يؤدي حتى استخدام قنبلة ذرية جديدة . ولإسرائيل تفوق استراتيجي في هذا النمط من الحرب ، لاكن ذلك لن يفيد المجريات العملية. وفي القدس تم تعقيد المشكلة لتتحول الى ظلم كبير، والذي أدى الى ذلك هو التشبث بالقومية التي وصلت الى طريق  مسدود في جميع انحاء العالم وكأن هذه المدينة المقدسة تحمل لعنة القومية والقبائلية السابقة، إلا أن اسمها يعني القدسية وديار السلام . فكما أدى اليهود دورا” في ظهور أبوية الأديان التوحيدية ، كذلك ادو نفس الدور في ظهور القومية ،ويعدون من اكثر  الذين تضرروا واصبحوا ضحية لهذين المفهومين .بالإضافة الى ذلك أدت التجارب التي عاشها اليهود بين الحضارات الى نشأتهم على قيم قوية في مجالات العلم والفن   الاقتصاد ، وابتداء” من كتابة الكتب المقدسة وكثير من مؤلفات لرجال العلم والفنون ،فقد وصلوا الى قوة كبيرة  من الناحية المادية والمعنوية، حتى كأنهم يحركون كل الايديولوجيات والمؤسسات الأساسية على اصابعهم  اما بالنسبة للعرب فقد ظلوا متخلفين باعتبارهم اخر المجموعات الصحراوية  السامية لاكن انتشارهم في جميع انحاء شبه الجزيرة العربية وافريقيا الشمالية ، أدى الى وصولهم لثروة وقوة نوعية  من الناحية الجغرافية في الأقل ،بذلك وقعت مجموعتان ساميتان في وضع المواجهة على الصعيد العالمي فغدوا  ضحايا ما خلقوه  من دين وقومية ، وبدأت تبتلعهم الوحوش التي خلقوها بأيديهم ، ولذلك فإن تجاوز  مواقفهما المعتمدة على الدين والقومية هو الحل الوحيد ،اذ يجب على هاتين المجموعتين اللتين يمكن أن تؤديا  ورا” مهما” في الشرق الأوسط ان تتفقا في اطار مقاييس الحضارة الديمقراطية ،وهكذا فان المحرج الوحيد هو الفيدرالية المرنة بدلا” من الانقسام القومي والديني ويجب برمجة فيدرالية عربية إسرائيلية تحت نظام اقتصاد السوق الحر مع حرية الكيانات  الثقافية ولأمد طويل ،علما” بأن الفيدرالية ضرورية أيضا” من اجل العرب المنقسمين الى ثلاث وعشرين دويلة فليس للاتحاد العربي الموجود ” الجامعة العربية” دورا” وظيفيا” كما يجب ، بل ان  فيدرالية ديمقراطية عربية  -إسرائيلية ترغم العرب على التوحد تحت سقف واحد ومن الواضح بأن الشرق الأوسط برمته سيستفيد من هذه الفيدرالية عدا بعض الأطراف الرجعية ،ويظهر أنه لا مفر من سير العلاقات العربية الإسرائيلية  نحو الحل تحت ظل فيدرالية في القرن الواحد والعشرين ، ويمكن للتجربة الديمقراطية لإسرائيل في العالم  أن تؤدي دورا” تاريخيا” في دمقرطة العرب .

 

 

 

 

يتبع …..

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.