قضية الصراع العربي اليهودي

أن المصالحة العربية الإسرائيلية قد تكون خطوة حيوية نحو تحقيق السلام في الشرق الأوسط. يشدد القائد على أهمية الحوار المبني على الفهم المتبادل والتقدير للحقوق التاريخية لكلا الطرفين، ويعتبر أن الوصول إلى تسويات عادلة يمكن أن يفتح آفاق جديدة للتعايش والاستقرار في المنطقة.

قضية الصراع العربي اليهودي

عبدالله أوجلان

منشورات أكاديمية عبدالله أوجلان للعلوم الاجتماعية

الطبعة الأولى 2024

مطبعة الشهيد هركول

 

المصالحة العربية الإسرائيلية يمكن أن تحقق السلام في الشرق الأوسط

 

لا مفر من ممارسة العلمانية بعمق كجزء لا يتجزأ من هذا التحول الديمقراطي ، حيث بات من الضروري تجاوز التخريب والتخلف الذي يجري باسم الدين منذ آلاف السنين ، من خلال إصلاحات دينية شاملة ، بالإضافة الى الإصلاحات الدينية فأن نجاح العلمانية سيعطي دفعا” للتحول الديمقراطي ،  كما يستمد منه القوة أيضا” ، ويجب تجاوز الأيديولوجيا القومية أيضا” ، فعندما يتم تجاوز الأيديولوجيات التي تحرض على الصراع في هاتين الساحتين ، حينها فأن فلسفة الحرية والوحدة العادلة المعتمدة على الدين والحرية ستكتسب الصلاحية وستجلب هذه المفاهيم الفلسفية الموجودة في أساس الحضارة الديمقراطية السلام والتسامح ، في هذه الحالة سيتحقق الوفاق  العربي – الإسرائيلي والوحدة الديمقراطية بدلا” من الصراع ، وسيؤثر هذا التطور على الشرق  الأوسط والعالم بأكمله. سيكون الوفاق العربي – الإسرائيلي خطوة كبيرة على طريق السلام والوحدة الديمقراطية في الشرق الأوسط   وستكتسب الاطروحة المضادة لأطروحة الحضارة الديمقراطية الاوربية التي تستمد غذائها من الشرق الأوسط ، قوة كبيرة من خلال الوفاق المذكور ، سيكون لها تأثير تسلسلي في العالم أجمع ، كما ستسهم المرحلة الجديدة التي تبنى على أساس الفيدرالية الديمقراطية في أن يسير الشرق الأوسط نحو تركيب الحضارة الديمقراطية  والى مرحلة حضارية تليق  بتاريخه. حقا” ان النتائج التاريخية للاتفاق العربي – الإسرائيلي مهمة جدا” ، لان ذلك سيسرع من حل التناقضات  الأخرى في المنطقة وسيضغط من أجل الحل الديمقراطي ، فالتطور في هذا الاتجاه والذي نرى تأثيره منذ الان سيكتسب طابعا” سائدا” ، ولا يمكن انتظار استمرار مرحلة الصراع في جو من عدم الوفاق مطولا” ، لان الظروف المحلية والإقليمية  والدولية لن تتحمل هذا الوضع طويلا” ، وسنرى أنه لا مفر من السلام المستند الى التحول الديمقراطي بين العرب أنفسهم  وبين العرب وإسرائيل وكل المنطقة في القرن الواحد والعشرين وتصاعده عبر حملة اقتصادية وفنية متطورة .هكذا سيكون للشرق الأوسط الذي سيكتسب قوة على هذا الأساس ، إمكانية خلق تطورات تليق بتاريخه في كل العالم  وتطوير الحضارة الديمقراطية نحو تركيبات جديدة . شهد الإسلام العربي (بما فيه امتداداته التي في أفريقيا ) على مدى تاريخه تناقضات ضارية وصدامات ٍ حامية الوطيس بين قوة السلطة والدولة وبين القوة الشعبية الاجتماعية .وقد بدأت تلك الصدامات وسيدنا محمد (ص) لايزال على قيد الحياة  فالدين الإسلامي ( الذي هو اقرب الى ان يكون برنامجا” أيديولوجيا” وسياسيا”)  يولد كثمرة للصراع بين زعماء قبيلة ٍ شديدة  الفقر وينتمي اليها سينا محمد (آل هاشم ) وبين قبيلة أخرى فاحشة الغنى تنحدر من النسب الاثني ذاته وشريحتها  العليا راسخة . يحتدم الصراع بعد مماته ، ويسفر عن مقتل ثلاث خلفاء راشدين (عمر وعثمان وعلي ) من بين الأربعة  الأوائل .في حين يوفق معاوية ٌممثلا” للشريحة العليا في تصيير ميوله دولة سلالية (دولة الامويين ) خلال تلك الفترة  وما يتبقى هم الموالون لأهل البيت (لأسرة سيدنا محمد ) بصفتهم قوة اجتماعية راديكالية للقبائل الأكثر فقرا” وبؤسا”  أنه اول انقسام ٍ مجتمعيٍ وطبقيٍ ودولتيٍ جاد. وسيتصاعد مع مضي الوقت ليصل يومنا الحالي . يقوم إسلام السلطة بتعزيز نفسه على شكل عدد لا حصر له من الدول والامبراطوريات صغيرة الحجم ،وبتحديد  معاييره ورسم ملامحه وشرعنة نفسه  (عن طريق الشريعة الإسلامية والمذهب السني ). وبالمقابل ، فأن المذاهب الإسلامية المعارضة للسلطة ، تعمل على توطيد حضورها متجسدا” في الخوارج  وانصار أهل البيت . يتجه الخوارج مع الزمن نحو التحول البدوي باعتبارهم أكثر شرائح المجتمع فقرا” وحرمانا” والتحول البدوي بدوره يعني بالأغلب التحول الى كادحين قرويين ذو أصول ريفية ، والى عناصر بروليتارية مدينية . بمعنى آخر ،فالتحول البروليتاري لدى العرب يظهر نفسه بشكلٍ ملموسٍ في هيئة التحول البدوي . ويستمر ذلك بهذا المنوال حتى راهننا .أي إن البدو في إقطاعية العصور الوسطى يتشاطرون حينها تاريخا” مشتركا”  بتحولهم الى فلاحين وعمال ضمن العصر الرأسمالي المعاصر . بينما يمثل أنصار أهل البيت نوعا” من عرب الطبقة  الوسطى .وفي الحين الذي تستمر به الشريحة المقهورة على مناهضتها للسلطة والدولة مجسدة” إياها في المجموعات الشيعية  والعلوية الأكثر راديكالية ؛ فإن الشرائح العليا تواصل حضورها في أروقة وكيانات العديد من الدول. تستمر بحضورها بكل طبائعها الأولية هذه كقوةٍ اجتماعيةٍ وسلطويةٍ منتشرةٍ بكثافةٍ أكبر على طول الأراضي الإسلامية  بدءا” من المغرب الى الهند وحتى بلدان لبنان وسوريا والعراق وايران الحالية بصورة خاصة . أما إسلام السلطة التقليدي ، فألزم نفسه بمعايير الدولة (الشريعة ) منذ البداية، واكتسب الشرعية (التمذهب السني ) جاهدا” الى الوصول الى حاضرنا .من هنا، فالحقيقة الغائرة والشاملة للانفكاك بين المجتمع والسلطة ، والذي عجز حتى  الغطاء الإسلامي المشترك عن إخفائها أو قمعها ؛هي التي تكمن وراء التمزق الشديد والصراع المحتدم القائمين تاريخيا”  وراهنا” بين المجتمع العربي وقوى الدول العربية . بالمستطاع تدوين مجلداتٍ كثيرةٍ بشأن تأثير هذه العناصر الأساسية _ الى جانب العديد من الثانوية منها _ في ظهور الإسلام  ما نود ايضاحه هنا هو أن الإسلام ثمرة الظروف المادية والتاريخية الوطيدة ، وأنه لم يتطور ك” معجزةٍ في الصحراء ” وبقدر ما ترتبط قوته بهذه الظروف ، فكذلك شأن نقاط ضعفه أيضا” . فهو ليس جميعةً حضاريةً جديدة ً على غرار الحضارة السومرية الأولى أو الرومانية الأخيرة .بل يطفح جانبه كحركةٍ عقائديةٍ واخلاقية . فسيدنا محمد نفسه ليس شخصية غامضة مثلما إبراهيم وموسى وعيسى . فالكثير من خصائصه معلومة .ورسالته المتجسدة في ” القرآن ” لا تخاطب قوما” أو قبيلة ً أو طبقة ً معينة .بل تستهدف البشرية جمعاء . ومصطلح “الله” الذي يرد ذكره في  القرآن اكثر من المصطلحات الأخرى ، يشكل في حقيقة الامر محور النشاطات اللاهوتية . وسيدنا محمد قابع في أعماق تأثير هذا الاصطلاح ، ويعتبره ” الرب ” أي سيد العالمين .هذه الكلمة مذكورة بكثرة  في الكتاب المقدس . وكلمة الله ذات الاصطلاح المجيد بهذا القدر ، توحد في محتواها سوسيولوجيا” بين ألوهية  الطبيعة والألوهية المجتمعية . فالصفات الحسنى التسعة والتسعون التي يشملها ويتميز بها ، هي تعبير عن التأثير المشترك للقوى الطبيعية والاجتماعية  في حين أن ” الأوامر والشرائع الأبدية ” التي يتطلع منسوبوه الى فهمها ، تحفها هالة من الغموض . وبقدر كون الاوصاف ذات المنشأ الاجتماعي مرحلية عابرة ، فكذلك لا يعد كل مظهر ٍ طبيعي ٍ قانوناً بحد ذاته . بيد أن القانونية والتشريعات هي ثمرة الإفراط في ضوابط وقواعد القبائلية اليهودية. أذ يمكن الحديث عن النزاعات والميول التي طالما يغلب طابعها في المجتمع الإسلامي .ربما أفادت الشرائع الصارمة في تجاوز الفوضوية القبلية  وتحقيق التطور الاجتماعي . لكن ،إذا وضعنا نصب العين تسارع التطور الاجتماعي ، فسندرك تلقائيا” مخاطر هذا المفهوم لأجل الامة . إن مدى أيمان سيدنا محمد بالله يعين قوته الميتافيزيقية .وعلى الأقل ، فاعترافه بوجود قوة تفوقه ، يجعله لا يصاب بمرض  التأله الذي نجده سائدا” في الحضارات الممتدة من أيام سومر الى عهد روما .  ذا قارنا ذلك بالصراع الضاري الدائر حول ألوهية عيسى ، تتبدى مقاربة سيدنا محمد أكثر تقدمية. الا أن عجزه عن تخطي لصرامة الموسمية يشكل جانبه السلبي ، الذي تدفع فاتورته الباهظة في الصراع العربي – الإسرائيلي . أما التساؤل عما اذا كانت الثقافة المدية تغلب عل المجتمع الذي تطلع سيدنا محمد الى بنائه ، أم يرجح فيه الجانب  الأيديولوجي ؟ فيستحق النقاش والدراسة . حسب رأيي ، فبينما يبرز العنصر الأخلاقي في المسيحية ،فإننا نجد توازنا” دقيقا” بينهما في الإسلام .ولئن كان يحتوي العديد  من النواقص ويتكاثر الجدل حوله، الا أن تعادل الثقافتين المادية والمعنوية في الإسلام قد يشكل جانبه المتين .بطبيعة الحال ، فالحديث النبوي ” اعمل لآخرتك وكأنك تموت غدا” ، وأعمل لدنياك وكأنك  تعيش أبدا” ” يكشف كفاية عن هذه البنية المتعادلة . الكل على علم بنبذه الأنظمة الرومانية والبيزنطية والساسانية ، بل وحتى الفرعونية  والنمرودية الكلاسيكية ، وانتقاده إياها بصرامة . إنه بجانبه هذا ناقدٌ قديرٌ للمدنية . الا ان الشروط المادية لعصره ، وآفاقه الأيديولوجيا لا تكفي للإعلان عن رؤيته بشأن ” المدنية ” . وهو بذلك شبيه بعجز إشتراكي زماننا عن تطوير البديل اللازم .لكن مناشدته الحثيثة الى التشبث بالأخلاق ، تشير الا مدى ادراكه لأمراض مجتمع  المدنية .وهو بجانبه هذا إصلاحي عتيد ، بل وثوريٌ لا يعترف بالمجتمع الذي تغيب فيه الاخلاق .والقواعد التي سنها لسد  الطريق أمام الربا في رأس المال ، أعاقة التوجه نحو الوضع المرضي للمجتمع  الرأسمالي . انطلاقا” من هذه المزايا البنيوية لدى سيدنا محمد ، يمكننا مباشرة استشفاف كونه أكثر تقدمية ً من المسيحية واليهودية  .فجنوحه الى نبذ العبودية أمر معروف . وهو رحيم عطوف ، وميال الى التحرير الى أبعد حد . ورغم بعد مقارباته  عن الحرية والمساواة فيما يخص المرأة ، الا انه يستاء من العبودية الغائرة للمرأة ، ويمقتها.

يتبع …

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.