الدفاع المشروع

يتناول كتاب “الدفاع المشروع” للقائد عبدالله أوجلان مفهوم نظام الدفاع الذاتي في سياق الأمة الديمقراطية، حيث يؤكد على أهمية تمكين المجتمعات من حماية نفسها. يعزز لأفكار تتعلق بالتعاون الجماعي والمشاركة الشعبية، ويعتبر أن الدفاع الذاتي ليس مجرد خيار عسكري، بل هو حق أساسي للأمم والشعوب. يشدد على ضرورة بناء هياكل تنظيمية تعزز من الوعي والقدرة على مواجهة التحديات الخارجية.

الدفاع المشروع

عبدالله أوجلان

تاريخ الطبع  كانون الثاني 2023

منشورات اكاديمية عبدالله اوجلان للعلوم الاجتماعية

 

 

نظام الدفاع الذاتي في الامه الديمقراطية

 

نظام الدفاع الذاتي في الامه الديمقراطية. لكل نوع في عالم الكائنات الحيه نظام دفاعي خاص به. وما من كائنٍ حيٍ بدون آلية دفاع.  بل وبالمقدور اعتبار المقاومة،  التي يبديها كل عنصرٍ او جسيمٍ في الكون للحفاظ على وجوده، دفاعا” ذاتيا”. اذ يبدو جليا” انه لا يمكن ايضاح مقاومته ازاء اي عطل او خروج من الكينونة  الا بمصطلح  “الدفاع الذاتي ”  وفي حال فقدان تلك المقاومة فأن ذاك العنصر او الجسيم يفسد،  ويخرج من كينونته ويتحول الى عنصر آخر مغاير .أما في عالم الكائنات الحية ،  فبمجرد تحطم حصن الدفاع الذاتي ،  فان ذاك الكائن يغدو فريسة سهله لكائنات أخرى ،  او يموت  . يسري النظام عينه بشكل اكبر على النوع البشري والمجتمع البشري. اذ لا يستطيع نوع لطيف كالإنسان وكيان منفتح على المخاطر كالمجتمع البشري ان يحافظا على وجودهما مدة طويلة من الزمن،  في حال غياب الدفاع الذاتي المنيع. فالدفاع لدى النوع البشري مجتمعي بقدر ما هو بيولوجي.  اذ يعمل الدفاع البيولوجي بغرائر الدفاع الموجودة  في كل كائن حي.  اما في الدفاع المجتمعي،  فجميع افراد الجماعة يلوذون عن انفسهم بشكل مشترك.

بل ويطرأ التغيير المستمر على تعداد المجموعة وشكل تنظيمها ، وفق ما توفره فرص الدفاع الذاتي. وعليه، فالدفاع وظيفه اصيله في المجموعة، بحيث لا يمكن للحياة ان تستمر من دونه. وكما هو معلوم ،فالوظيفتان الاصليتان الأخريتان  في عالم الاحياء هما تامين المأكل والتوالد .فكيفما يستحيل على الكائنات الحيه ان تستمر بحيواتها دون مأكل او توالد فمحال عليها الاستمرار  بالحياة من دون الدفاع الذاتي  ايضا النتيجة المهمة الأخرى، التي باستطاعتنا استخلاصها من  موضوع الدفاع الذاتي في عالم الاحياء، هي ان هذا الدفاع يهدف فقط الى حمايه الوجود، وانه يخلو من نظام الاستعمار وبسط النفوذ على ابناء الجنس الواحد او على الانواع الاخرى من الكائنات.  وقد طورت انظمه الاستعمار والحاكمية لأول مرة  عند الجنس البشري.  وما يلعب دوره في ذلك؛ هو النماء الذهني لدى النوع البشري والاستحواذ على فائض الانتاج ارتباطا بذلك مما يفضي الى توفير فرص الاستغلال . وهذا ما يؤدي الى ضرورة  حمايه قيم الكدح الى جانب اللوذ عن الوجود. اي انه يؤول على اشعال فتيل الحروب الاجتماعية.  ما لا جدال عليه هو ان المجتمعات بمختلف اشكالها قد دافعت عن نفسها بدأب حثيث تجاه التطور العسكر تاري للمدنية على مر التاريخ المدون والمجتمع الطبيعي. كما خاض المجتمع شتى اشكال المقاومة والتمرد، وقام  بمأسسة حرب الانصار وجيوش الدفاع الشعبي وخاض حروبا” دفاعيةً عظمى على ارضيه التقاليد المسماة بالدفاع الذاتي وطيل التطور لألاف السنين .لا يمكننا بتاتا” المساواة  بين حروب الدفاع وحروب الاحتكار العسكرتارية . اذ ثمة فارق في النوع والمضمون.  فاحدهما ذو طابع مناهض للمجتمع (استعماري، مفسد ،ومبيد)، والاخر ذو طابع مجتمعي( صائن للمجتمع ،ومحرر لكفاءاته الاخلاقية والسياسية).

وما الحضارة الديمقراطية سوى حمايه المجتمع والدفاع عنه على اساس منهجيه الدفاع الذاتي ضد العسكر تارية  التابعة للمدنية المركزية.  الدفاع الذاتي هو سياسه الامن والحماية  للمجتمع الاخلاقي والسياسي.  او بالأحرى ،فأن المجتمع الذي يعجز عن حماية نفسه، إنما يخسر صفاته الأخلاقية  والسياسية وفي هذا الحال فإما ان يكون المجتمع قد استعمر، فينصهر ويتفسخ او انه سيقاوم لاسترداد صفاته الاخلاقية والسياسية ولتفعيل وظائفه.  والدفاع الذاتي هو اسم لهذه المرحلة . فالمجتمع الذي يصر على كينونته، ويرفض الاستعمار وشتى أرغامات  التبعية من طرف واحد؛ لا يمكنه تبني موقفه هذا الا بإمكانياته ومؤسساته المعنية بالدفاع الذاتي. لا يكون الدفاع الذاتي حيال المخاطر الخارجية فحسب.  فالتناقضات والتوترات وارده في كل وقت ضمن البنى الداخلية  للمجتمع أيضا” . ينبغي عدم النسيان ان المجتمعات التاريخية  ظلت طبقية وسلطوية لمده طويله من الزمن، وانها ستسعى الى اطاله عمر خاصيتها هذه . وستقاوم تلك القوى بكل طاقاتها من اجل صون وجودها وكياناتها.  بالتالي،  فسيحتل الدفاع الذاتي مكانا” مهما” في اجندة المجتمع ولمده طويله من الزمن كمطلب اجتماعي رائج . اذ ليس سهلا” ان تدخل قوة القرار حيز التنفيذ، دون تعزيزها بقوه الدفاع الذاتي.  علما” اننا في راهننا وجها” لوجه امام حقيقه سلطة متغلغلة حتى مسامات المجتمع كافة؛  ليس من خارجه وحسب، بل ومن داخله أيضا”. لذا فتكوين مجموعات الدفاع الذاتي المتشابهة  داخل جميع مسامات المجتمع المناسبة امرا” مصيري.  فالمجتمعات المفتقدة  للدفاع الذاتي هي مجتمعات مستعمرة يفرض عليها الاستسلام من قبل احتكارات راس المال والسلطة . لكل مكون في المجتمع قضيته في الدفاع الذاتي على مر التاريخ، بدءا” من الكلانات الى العشائر والقبائل، ومن الاقوام الى الامم والجماعات الدينية ومن القرى الى المدن . فاحتكار رأس المال والسلطة اشبه بالذئب الذي ينقض على فريسته التي يطاردها فكل من افتقر للدفاع الذاتي،  يقوم هذا الاحتكار ببعثرته كما القطيع، مستوليا” عليه قدر ما استطاع . ان تشكيل كيان الدفاع الذاتي وممارسته،  والحفاظ عليه جاهزا وفعالا هو شرط لابد منه في كينونة المجتمع الديمقراطي والاستمرار بوجوده ،حتى ولو بما يكفي للحد من اعتداءات واستغلا لات احتكارات راس المال والسلطة كحد ادنى ونظرا” لأنه سيتم العيش مع اجهزة راس المال والسلطة لأمد طويل وبشكل متداخل، فمن المهم عدم الوقوع في خطأين. الخطأ الاول ؛ هو تسليم المجتمع امنه الذاتي للنظام الاحتكاري، كأن تأتمن القطه على الكبد. وقد ظهرت النتائج التدميرية  لذلك من خلال الاف الأمثلة . الخطأ الثاني ؛  هو العمل على التحول الفوري الى جهاز سلطه مقابلة للدولة، بكلمة سر فحواها ان تكون كالدولة وتجارب والاشتراكية المشيدة منيره كفاية في هذا المضمار .من هنا فالدفاع الذاتي الثمين والفعال سيبقى عنصرا” لا يمكن التغاضي عنه في الحضارة الديمقراطية تاريخيا” كان ام  راهنا” ام مستقبلا” .

لا يمكن للكونفدرالية الديمقراطية كبح جماح نزعة الدولة القومية  في تلك العسكرتارية، إلا  بأداة الدفاع الذاتي. فالمجتمعات المحرومة من الدفاع الذاتي تغدو وجها لوجه امام خطر خسران هويتها وخاصيتها السياسية ودمقرطاتها .ولهذا السبب بالذات فان بعد الدفاع الذاتي ليس مجرد ظاهره بسيطة من الدفاع العسكري بالنسبة للمجتمعات . بل انه متداخل مع ظاهره حمايه هويتها، وتامين تسيسها وتحقيق دمقرطتها . بمعنى اخر، لا يمكن الحديث عن قدره المجتمع على حمايه هويته او تأمين تسيسه او مزاولة السياسة الديمقراطية،  الا عندما يكون قادرا” على الدفاع عن ذاته.  وعلى ضوء هذه الحقائق فالكونفدرالية الديمقراطية  مرغمة في الوقت نفسه على تعظيم ذاتها كنظام للدفاع الذاتي.  وفي عهد النفوذ العالمي للاحتكارات، وفي ظل ظروف عسكرة المجتمع بأجمعه متجسدا”  في الدولة القومية؛ لا يمكن للعصرانية الديمقراطية ان ترد على الهيمنة ، الا بنظامها الذاتي المتالف من التنظيمات والاجهزة الكونفدرالية المتأسسة على الدفاع الذاتي والسياسة الديمقراطية؛ بحيث ينضوي المجتمع بأكمله تحت لوائها في جميع الظروف الزمانية والمكانية.  فبقدر ما تتواجد الشبكات والاجهزة المهيمنة (التجارية والمالية والصناعية، السلطة، الدولة، القومية، والاحتكار الأيديولوجي) يتوجب على العصرانية الديمقراطية  ايضا تطوير شبكاتها واجهزتها واواصرها الكونفدرالية والدفاعية الذاتية والسياسية الديمقراطية بالمثل . نقطه اخرى ينبغي الانتباه إليها وهي ضرورة تصور الوحدات الفيدرالية والذاتية  ضمن اطارٍ غنيٍ جدا” .اذ من المهم للغاية ادراك مدى الحاجه الى وحدات كونفدراليه في كل قريه او حي في المدينة أي ان كل قريه او حي يمكن ان يكون وحدة كونفدرالية بكل سهوله . وعلى سبيل المثال ، فقط تتواجد في قرية ما وحدات الديمقراطية المباشرة ، التي يتعين عليها الاتحاد على مستوى القرية ، بدءا”  من وحدتها اي فيدراليتها الايكولوجية ، وصولا” الى وحدات المرأة  الحرة والدفاع الذاتي والشبيبة  والتعليم والفلكلور والصحة والتعاون والوحدات الاقتصادية .

يتبع …

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.