الدفاع المشروع

يتناول القائد عبدالله اوجلان مواضيع متعددة تتعلق بالقضية الكردية، مستندًا إلى فلسفة الديمقراطية وحقوق الإنسان. يُبرز القائد أوجلان أهمية النضال من أجل الهوية الثقافية والحقوق السياسية، مشددًا على ضرورة الدفاع المشروع كوسيلة للتعبير عن حقوق الشعوب المضطهدة.

يتناول الكتاب أيضًا دور المرأة في النضال، معتبرًا أن تحرير المرأة هو جزء أساسي من تحرير المجتمع. يُطرح فيه مفهوم الديمقراطية التشاركية كحل للتحديات التي تواجه المجتمعات، ويُسلط الضوء على أهمية الوحدة بين الشعوب المختلفة لتحقيق السلام والاستقرار.

الدفاع المشروع

عبدالله أوجلان

تاريخ الطبع  كانون الثاني 2023

منشورات اكاديمية عبدالله اوجلان للعلوم الاجتماعية

 

مدخل

يبدو أن الاعتماد على التنوع العظيم في العالم البيولوجي ، وعلى اطوار التطور الطبيعي أمر ممكن في رسم مسار منظورنا المحوري ، بل ويسهل علينا ذلك .إذ باستطاعتنا إدراك الانتقال الحاصل بين عالمي النبات والحيوان على نحو اسهل بفضل فهم الانتقالات والتحولات المتبادلة بين الجزيئات الحية وغير الحية .وقد قطع العلم مسافات شاسعة في هذه المواضيع . فرغم كل نواقصه ،ورغم الأسئلة العالقة ،الا اننا نتمتع بغنى شامل من المعاني والإصلاحات. فعالم النبات بحد ذاته معجزة. إنه عالم فسيح بدءا” من الطحالب البدائية الى شجرة فاكهة مذهلة ، ومن الأعشاب الى الورود الشائكة ، ويشير بوضوح الى  مدى قدرة المهارة والكفاءة الحيوية. ونخص بالذكر حقيقة العلاقة الوثيقة بين جمال الورد الزاهي وبين حمايتها لذاتها بالأشواك ، حيث توحي ببعض الأمور  حتى لأكثر الناس جهلا” وبلها” . وأكثر جوانب التطور التدريجي لفتا” للأنظار ، هو قيام كل طور في سياق النشوء باحتواء الطور الذي يسبقه ، وصونه إياه في أحشائه كجزء” منه او كعامل من عوامل الغنى ، بحيث أن أخر نبات يستمر بوجوده متقمصا” دور اللأم  باعتباره اختزالا” لكل النباتات بمعنى اخر ،وعلى نقيض ما يعتقد، فالتطور الطبيعي لا يكون بإفناء الأنواع المختلفة لبعضها  بعضا” . بل ويحقق سيرورته بإغناء تلك الأنواع والاكثار منها. أي ان ما يجري في عالم النبات هو التطور المتجه من النوع  الواحد الى الأنواع الكثيرة المتباينة ، ومن الطحلب البدائي الى التنوع اللا متناهي . لينا النظر الى التنوع والتعدد باعتبارهما لغة النباتات وحياتها .فهي أيضا” لها عوائلها واقاربها ، بل وحتى أعداؤها . ولكن وجود الية الدفاع الخاصة بكل نوع او جنس ، يعد مبدأ” راسخا” لدرجة أنه يكاد لا يوجد كائن بلا آلية دفاع . حيث نتلمس عنصر الذكاء الخارق حتى في إجراءات ابسط الكائنات الحية .  وأول مزية نلاحظها هو انشطار هذا الذكاء ضمن فترات لحظية سريعة ، ليجنح الى نزعة التخليد السرمدي .حيث لم يفن أي كائن أوجد نفسه . فمقاومة هذا الكائن الأول في الوسط الذي أوجد فيه نفسه ، قد مهدت السبيل لتطورات  وصلت في نهاية المأل الى افق وطاقة الذكاء الكامنة في النوع البشري .فكيف حصل وتطورت الطاقة الكامنة ضمن الحيوية الموجودة داحل خلية واحدة ، وتنوعت لتصل حالة كائن حيٍ ذي ذكاء ذهل كالإنسان ؟ لربما كان التكاثر والانشطار أساسا” ، ليس فقط في ابسط خلية حية، بل حتى في العوامل الصغرى. والتكاثر بدوره تطلب التغذي من الوسط المحيط . وهذا بدوره ما استلزم التحلي بالقدر الكافي من حماية الذات .  ولربما لا تستطيع الجزيئيات ما تحت الذرية أن تتجنب مشاكلها في التكاثر والتغذية والحماية بنسبة تضمن لها البقاء وعدم الفناء ، الا على منوال هذا العالم الأصغر .ي أن الحدود التي تستند اليها هي الحدود اللامتناهية في التكاثر والتغذية والحماية .يمكننا هنا الوصول -ولو قليلا”- الى جوابٍ عن بحثنا بشأن البحث الكوني . ولاكن ، علينا الا نعتبر هذا الكون خارجنا  فكل اطرافنا محاطة ومليئة بالأكوان الصغرى . وربما كان بحثنا عن التكاثر والمأكل والمأمن تعبيرا” ملموسا” عن الانعكاس الموحد الكامل لهذا العالم (الكون الأصغر) وربما نشأ الكون الأكبر أيضا” على نفس المنوال . واذا ما ضيقنا الخناق على الزمان والمكان ، فهو مقرر بحدود اللانهاية من التعاظم وسلوكيات الذكاء الآمنة . وانعكاس الكون الأكبر في ذكاء الانسان هو احد الاحتمالات أيضا”. أما اصطلاح المجتمع على انه الطبيعة الثانية ، فهي مقاربة أعمق بكثير . فالمجتمعية بذاتها تفيد بخروج الذكاء من كونه طاقة كامنة ، ليبدأ مرحلة الفاعلية بكفاءة . ذلك ان التجمع يستلزم تطور الفكر على الدوام .وما التطور الاجتماعي في أساسه سوى تطور الفكر ،وبه اصبح ممكنا” تتطور عوامل التكاثر والمأكل والمأمن  أكثر بالتزامن مع المجتمعية المتناهية . اقولها بوضوح :إن عناصر التكاثر والتغذية والحماية الخاصة بكافة الكائنات الحية ،هي دلالة على وجود العقل، وهي النمط  الفطري الأكثر صرامة في التعليم .إنها النمط الغرائزي الأكثر فظاظة للمعرفة . وحركات الاحياء هي حركات معرفة . وبشكلٍ اعم ، فالتقدم والتطور الكوني بأجمعه يذكرنا بالذكاء والمعرفة . من هنا ، فالمجتمع باعتباره الطبيعة الأولى ولاكن بمراحل أعلى .نستنبط من المعلومات الانثروبولوجيا التي بحوزتنا أن القسم الأعظم من الحياة الاجتماعية للإنسان قد مرَ بممارسات القطف و القنص ، وان الانسان قد حقق التواصل عبر لغة الإشارة الشبيهة بالا صوات التي كانت تصدرها الأنواع الحية الأقرب اليه لا يمكننا الحديث هنا عن اية مشكلةٍ جديةٍ ذات منبعٍ اجتماعيٍ في تلك المرحلة .حيث ما يزال  التطور الطبيعي ساريا” ومحافظا” على التوازن داخل المجتمع . أما مستوى الذكاء ، فعاطفي. او بالأحرى يسود الطابع العاطفي للذكاء ، والذي من اهم مميزاته أنه يعمل بردود الفعل .الفطرة أيضا” ذكاء عاطفي .لكنها  اقدم أنواع الذكاء (يمكن ارجاعها الى اول خليةٍ بسيطةٍ حية ) .ذلك أن نمط عملها وحراكها يتمثل في ابداء ردود الفعل الانية  إزاء المنبهات ، وكأن نظاما” تلقائيا” من العمل الساري .هذا النمط يلبي وظيفة الحماية بأفضل أشكالها . ويمكننا ملاحظته بكل سهولة حتى في النبات . في حين أنه يبلغ ارقى مستوياته لدى النوع البشري . فوصول الانسان الى هذا المستوى الراقي من قوة الذكاء ، التي تتميز بالحواس الخمسة المتناسقة ،لم يحصل في أي موجود  آخر.  لاشك أن بعض الحواس تطورت لدى بعض الكائنات أكثر مما عليه لدى الانسان ، من قبيل السمع والبصر والتذوق. إلا أن النوع البشري يتصدر الكائنات من حيث بلوغه حالة ” تكون فيها الحواس الخمسة شاملة ومتناسقة .أن اهم ميزة في الذكاء العاطفي هي روابطه مع الحياة. فحماية الحياة من اهم وظائفه ، لا نه تطور كثيرا” في هذا المجال.  ولا يمكن الاستخفاف بجانبه هذا البتة ، حيث ينشط بشكل منزه تماما” عن الخطأ . أعني بذلك القدرة على ابداء رد الفعل في آنه والافتقار الى هذا النوع من الذكاء يعني انفتاح الحياة على المخاطر أوسع أبوابها .ذلك أن احترام الحياة هو على عرى” وثيقةٍ بمستوى تطور الذكاء العاطفي . إنه يحذو حذو الطبيعة في توازنها .وبمقدورنا  تسميته بالذكاء الذي يكمن من الحياة الطبيعية .ونحن مدينون كليا” لهذا النوع من الذكاء في عالمنا الحسي . فتطوير ماهيات مختلفة من هذا النوع (من الثديات البدائية المشابهة للإنسان ) ، يعني تطور مجتمع الكلان أيضا”. القضية الأساسية هي قضية الوجود . وبوجه عام ، فالمشكلة الأولى لمجتمع ما (مجتمع الاف المجموعات) . هي الوجود والاستدامة ، بالإضافة الى الدفاع عن وجوده تجاه القوى الساعية لا خراجه من كونه مجتمعا” . وللمجتمعات  مثل هذه المشاكل والقضايا في كل زمان ٍ ومكان. ويتمحور هذا الدفاع أحيانا” حول هدف حماية الوجود كدفاع عن الذات  تجاه المخاطر والمهالك . وأحيانا” تتواجد أوساط وكيانات مفيدة تتيح الفرصة للتطور التكافلي المناسب . في ذاك الزمان والمكان تتسارع وتيرة التطور الإيجابي ، حيث يشهد النوع – كلانا” او مجتمعا”- اغتناء على صعيد  الثقافتين المادية والمعنوية وإذ ما عملنا على الشرح وفق ثنائية ” أنا -الاخر”  كاصطلاحين سوسيولوجيين بارزين في الآونة الأخيرة ، نجد ان ال  “أنا” تشرع بالدفاع الذاتي تجاه ” الاخر ” الذي يشكل خطرا” عليها . فإما ان تهزم الاخر ، وتستمر في تطورها يتباطأ حينئذ، واما ان تهزم فتفقد وجودها نسبيا” او كليا” حسب درجة الهزيمة التي تكبدتها . وفي هذا الحال ، تكون قد خرجت من كونها ذاتها كموجود ٍ قائم ، لتغدو موضوعا” شيئيا” ضمن موجود آخر مختلف  أو أنها تنصهر وتستمر بوجودها كموجودٍ مختلف وحينها تتكون الأصناف المسماة بالمنحرفة المشوهة او المائعة الهامشية .

 

 

يتبع …

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.