الحياة الندية

في “الحياة الندية”، يناقش القائد عبدالله أوجلان مفهوم “الحياة الجنسوية” كجزء أساسي من الحرية الفردية والاجتماعية. يركز على أهمية فهم العلاقات الجنسية كمجال للتعبير عن الهوية والتحرر، ويؤكد أن المساواة بين الجنسين ليست مجرد مطلب سياسي، بل أساس لتحقيق مجتمع ديمقراطي عادل. يعتبر أوجلان أن تحرير المرأة يتطلب إعادة التفكير في القيم والعلاقات الاجتماعية السائدة.

الحياة الندية

من أبعاد الأمة الديمقراطية

منشورات لجنة بحوث العلوم الاجتماعية

 

بناء عليه، فالقائمون على الانطلاقات الشخصية او الجماعية ،بمقدورهم السير قدما على درب الحياه الندية الحرة ،في حال اتخاذهم هذه الساحة ركيزة لهم، سواء علميا ام فنيا وفلسفيا. والخطوات على درب اولى هذه الانطلاقات ،ليست كما يعتقد عاده الخطوات منفرده وخاصه منحصرة بشخصين فقط، بل هي اولى الخطوات العالمية بصدد المجتمع الاشتراكي الديمقراطي الذي سيتحقق. كينونة الاشتراكية تقتضي قبل كل شيء الاهتمام ببلوغ مستوى الحرية المأمول في الحياه ينبغي العمل اساسا بطراز حياه شبيهه بأنماط الحياه العملية المبدئية الشاقة والعظيمة التي طالما تصادف في مستهل الحياه الميثولوجية والدينية القديمة. فالإنشاء الاشتراكي لحياه الشراكة الندية غير ممكن، الا بالتخلص من اشكال نظم المدنية والحداثة الرأسمالية ومضمونها الترويضي. حيث لا علاقه له كثيرا بالجنسانية التي جعلها النظام القائم رخيصة مبتذلة ،ولا بالاعيب  الترويض والتطويع، ولا بالعنصرية { بمعنى التزايد} ولا “بالعيش معا” حتى الممات” ؟؟؟(اعتقد ان الجملة هكذا ،فهي مبهمة في النص التركي). كما ليس له علاقه بالأخص مع ممارسات المضاجعة اليومية التي باتت مرضا” بكل معنى الكلمة. بيد ان عدم حصول الجماع يوميا” لدى اي كائن حي، بل تميزه على النقيض من ذلك بأساس  موسمي؛ هو خير برهان على انشاء انسانيه لدى النوع البشري وفق النمط الاجتماعي. اي ان الشبقية والنهم الجنسي مرتبط بالبناء الاجتماعي والسلطة المهيمنة. الجنسية الرجولية المفروضة على المرأة، تكشف بكافه اشكالها عن كونها ممارسة سلطوية. وهكذا جنسانية ،دعك من بعثها على السعادة، بل هي مرضا ومصدر للبؤس والتعاسة ،وهي فناء وموت باكر بكل ما الكلمة من معنى. وما من بنية امراه او رجل قادره على ابداء التكيف مع هذا النمط من ممارسة الجنس. انا خاصه بالذكر في هذا المضمار الجنسانية التي تثيرها وتحرض عليها الرأسمالية عبر الدعايات النسائية ،حيث انها متعلقة كليا بالهيمنة الأيديولوجية  الهادفة الى تامين تطبيق قانون الربح الاعظم. وبالمقدور القول انه ما من علاقه قادره على حمل عبء النظام القائم ،بقدر ما هي عليه الجنسوية  الاجتماعية. بالتالي، فمناهضه الرأسمالية غير ممكنه الا برفض ودحظ وتجاوز  هكذا طراز من الجنسانية. بدي غدر ما يكون المستوى الذي ينجز في علاقات حياه الشراكة الندية  علميا وفنيا وفلسفيا، فسيغدو قادرا على افساح الطريق امام المجتمع الاشتراكي بالقدر عينه. إذ للاشتراكية قبل كل شيء قيمه مبدئية  وعلميه لابد منها ،كي تتحقق في علاقات حياه الشراكة . ولا سبيل اخر يؤدي الى الاشتراكية  عدا هذا النمط من العلاقات. وحتى لو وجد، فهي علاقات ملتويه ومنفتحة الى اقصاها امام الاخطاء. اما النظر الى حياه الشراكة الندية الاشتراكية على انها علاقه بين شخصين فقط، فهو تناول ناقص. حيث ما من شك في امكانيه عيش الحيوات الندية متجسده في العلاقات بين الجنسين، لكنه لا يمكن اسقاطها الى ذلك وحسب. فهي حياه خاصة، كثيرا ما تعاش بنحو تجريدي بمعيه قوه المعنى والجمالية العليا والاخلاق النبيلة. لن يستطيع الرجال والنساء الملتزمون بالحياة الاشتراكية الحظي بفرصه حياه قويمه وجميله كأفراد مستقلين بذاتهم، الا اذا وطدوا الحياه الحرة  عالميا وجماعيا. وبالمقدور استشفاف هذه الحقيقة في جميع الحركات الاجتماعية العظمى في التاريخ. هذا ومن عظيم الأهمية عدم الخلط بين الحياه الانفرادية من جهة، وبين الاعيب الزواج الحالية او الاشكال الخارجية على الزواج والمزادده سواء باضطراد من الجهة الثانية  . فبينما تتوارى الكونية  الاجتماعية والجماعية وكل كمونهما بين طوايا الحياه الانفرادية فان ما يتحقق ضمن اشكال الترويض الانفرادية، والخارجية عن الزواج في كنف المدنية والحداثة ،ليس سوى انكار الكونية والجماعية. من هنا، محالٌ تحقيق الحياه الحرة الانفرادية بمنوال اشتراكي ،دون القيام بهذا التمييز. ان الرجل عموما والمرأة خصيصا ممن يندرجون في اطار العلاقات الاشتراكية ،يتحلون بقوه جاذبيه كبرى من خلال المسحة  العلمية  والجمالية  والأخلاقية  والفلسفية  التي تحييهما وتوطدها في ذاتها. هكذا نوع من الشخصيات النسائية والرجالية  لا تعرف طعم الهزيمة  او الفشل تجاه الحياه الاجتماعية ،بل تعمل بوجودها على انشاء الحياه الاجتماعية الحرة.

وبحكم سياده الاحترام والثقافة  المتبادلة في اتحاداتها الانفرادية ،فلا مكان لديها للحسد او المزاح الشاذ والمتذبذب ،ولا النهم المفرط او الملل او ما شابه من امراض النظام القائم. ولأنها لا تستملك بعضها بعضا، فهي لا تقترب من بعضها البعض بمزاعم الحقوق المتبادلة (هذا ما يسري في القوانين البورجوازية). اما قوه المعنى المتكافئة لديها في المستوى ،فهي في منزله تخولها لإحياء الكل في شخص واحد، والشخص الواحد في الكل. لن تحرز حركات المجتمع التاريخي النجاح المؤزر، الا عبر هكذا شخصيات اكتسبت المعنى لهذه الدرجة. هذا وعلى تلك الشخصيات ان يذيع صيتها دوما” كشخصيات اشتراكيه بكل معنى الكلمة ،وان وتستذكر وتعقد الآمال عليها  بهذا النحو. اثناء التقدم على مسار المجتمع الاشتراكي ،من المهم بمكان وضع بعض التجارب التاريخية الهامه في الحسبان ،فيما يتعلق بتطبيق نظريه حياه الشراكة الندية  الحرة. المسيحية في هذا السياق اشترطت على كوادرها _رجالا ونساء _حياه الرهبنة . وقد اتسمت هذه الممارسة بدور هام في تطوير المدنية الغربية. حيث قامت المسيحية  بتحجيم المجتمع الجنسوي الى حد ملحوظ عن طريق هذا التطبيق الكادري. حيث ان عدم طغيان الغريزة الجنسية على الذهنية الروحانية ،أدى دورا بليغا” في تطوير المجتمعية. لكنه لم يفسح المجال امام التطور الدياليكتيكي الذي يمكن من الحياه الندية الحرة. بل ما تصاعد كرد فعل على ذلك ،هو انفجاره الجنسية الاجتماعية في ظل الحداثة الرأسمالية. اي ان حياه الزواج الاحادي والأستملاكية  المعاصرة ،قد اثمرت عن تطرف ثانٍ او قطبٍ مقابلٍ كطراز حياة مضادة لثقافه الرهبنة لدى كلا الجنسين. بمعنى اخر ،فثقافة الرهبنة في المسيحية تتخفى وراء الازمه السائدة في حياه الزواج الاحادي العصري. وكلا الثقافتين بقيتا عالقتين ومتعثرتين على درب تجاوز المجتمع الجنسوي. يتستر هذا الواقع خلف ازمه الثقافة الجنسوية بين صفوف المجتمع الغربي. الحل الاسلامي ايضا لم يحرز النجاح بشأن هذا الموضوع. فألإسلام الذي خص الاشباع الجنسي بالاولوية على عكس حياه الرهبنة ،اعتقد بانه سيحل القضايا من خلال تعدد الزوجات والجواري. اي ان سلوك الحرم في الاسلام اشبه بخصخصة بيوت الدعارة. وما يميزه عن بيوت الدعارة هو تخصيصه لبعض من الاشخاص، بينما لا فرق بينهما من حيث المضمون. ولهذا السلوك الاجتماعي الجنسوي دورا محدد في تخلف المجتمع الشرقي عن مواكبه ركب المجتمعات الغربية. وفي الحين الذي ادى فيه كبح المسيحية لجماح الجنسوية الى افساح المجال امام الحداثة ،فان تحفيز الاسلام للإفراط في الاشباع الجنسي تسبب في تخلفه حتى عن المجتمع القديم، وفي فتح الطريق امام تعرضه للهزيمة النكراء ازاء مجتمع الحداثة الغربية. من هنا، فدوره  الجنسوية الاجتماعية  بالغ الأهمية  في هزيمه المرأة والرجل الشرقيين تجاه اقرانهما الغربيين. ذلك ان الجنسانية تؤثر في التطور الاجتماعي اكثر بكثير مما يعتقد. وينبغي التوقف بأهمية  بارزه على دورها في فتح الهوة بين المجتمعات الشرقية  والغربية . لقد تولد المفهوم الجنسوي لدى الاسلام عن نتائج سلبيه تضاهي ما عليه في المدنية الغربية اضعافا مضاعفة ،في استبعاد المرأة  حتى الأعماق ،او في تعصب الرجل الى السلطوي .

يتبع…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.