الحرية ومفهومها العلماني

ما دامت هناك امرأة واحدة في العالم تعاني من العبودية فلا نستطيع القول اننا احرار

 

الحرية هذا المصطلح الذي يعد مطلباً وحقاً كونياً –غريزياً, اذ يولد الإنسان حرا لينضج في مجتمعات مثقلة بقوانين تجعله يتحول الى عبد في عملية تحولية وكسلوك مكتسب, وبقدر انغماسه في مفهوم التحضر بقدر ما يصبح اسير العبودية ففي ظل الحداثة الرأسمالية اصبح ينكر ذاته ويعيش في حالة نكران بائسة بقدر ابتعاده عن طبيعته البشرية و ذاته الحرة وكلما اقترب من الحرية الفكرية كلما حقق الحرية الفعلية في كافة ميادين الحياة الإنسانية فهي مقياس لتطور المجتمعات الإنسانية بشكل عام ,إذ لا نقصد بالحرية بمفهومها الضيق الملتصق والملازم للفرد انما الحرية الكونية والتي تنعكس على حرية البشرية وتخلصها من الاستعباد و الانحلال.

قبل الغوص في تعريف مفهوم الحرية ينبغي التمعن فيها بكل أبعادها وما تكتنف بين جوانبها من حقائق مثلما نوه اليه القائد عبدالله اوجلان: بأن الحريةَ هدفُ الكون والكونُ يسعى نحو الحرية. لذا فتُشِيدُ هذه الحقائق بأنّ الحريةَ نزعةٌ وبحثٌ عميقٌ خاصٌّ فقط بالمجتمعِ البشريِّ تلك مقولةً ناقصة, اذ يوجد جانبٍ فيها معنيٍّ بالكونِ بكلِّ تأكيد وإذا ما أمعنَّا في قرينةِ الجُسَيم – الطاقة، التي تُشَكِّل اللَّبَنَة الأساسيةَ للكون, كما اشاد بها القائد عبد الله اوج آلان : (أنّ الطاقةَ ليست سوى الحرية نفسها. لذا, من المهمِّ عدمَ ربط سلوكِ الأنانيةِ في موضوعِ الحرية، وعدمَ السقوطِ في اختزالها إلى الإنسانِ فقط .

لقد ركزت وحدات حماية المراة في مفهومها للحرية بجوانبها الفكرية والفلسفية الى هذه الحقيقة وتمعن في الحريةِ الاجتماعية وكيفية تغذيتها بالمعرفة وعتقها من المعتقدات المزيفة وهذا لعدم تحويلِها إلى إشكالية  بحساسيةٌ مُرَكَّزةُ إزاءَ حرية المرأة والرجل ولصون التوازن الطبيعي بينهما, إيماناً وإدراكاً منها بأنه وبقدرِ ما ترَكِّزُ المرأة من قدراتها في الذكاءِ والثقافةِ والعقل الكوني، تكُون مَيَّالةً إلى الحريةِ بنفس القدر, كما أنها وبقدرِ ما تفتَقِرُ لِقِيَمِها تلك في الذكاءِ والعقلِ والثقافةِ أو تحرَمُ منها، تكُون غارقةً في العبوديةِ بالمِثل ويتجلى هذا بكل ثقله بخلق علاقة مشحونٌة بعبوديةٍ متضاعفةٍ تدريجياً بين الجنسين, لذا نستنبط بأنّ المعرفة هي الحرية ولا يمكن شجب الرؤية عن هذا التوازن لان الأنظمة قد قامت بتخريبات عميقة في هذا التوازن حيث تُفرَضُ العبوديةُ بكلِّ قوةٍ ضمن أبعادٍ ثلاثة, العبوديةُ الأيديولوجيةُ بميثولوجياتها, المعتقدات الدينية وطرقها الملتوية و رزالة الحداثة الرأسمالية التي أقحمت المرأة في المتاهات والدهاليز المضللة, وما زال إنشاءُ الآلهةِ المُخيفةِ والمتحكمةِ أمرٌ مستوعَبٌ ويَلفتُ الأنظارَ بِحِدَّة في المجتمع النسوي في يومنا الراهن, وما زالت المرأة في طابقَ العاملين المنهمكين والمنهكين في شتى أنواعِ الإنتاج ، وبَلَغَت مرتبةً قصوى من الانتثار روحياً ونفسياً.

لو ألقينا نظرة خاطفة على تاريخ الثورات العالمية سنجد أن العديد من الحركات النسائية قد احتلت مكانها في الثورة وفي أحرج الأوقات وأصعب المراحل، وبذلت جهوداً دؤوبة وملحوظة فيها لكنها لم تنجُ من الفشل في المنعطفات الحساسة للثورة. ذلك أن مفترق الطرق الذي كانت تواجهه في مثل هذه المنعطفات هو بين ما يدعى مصالح الثورة العامة، يرتبط هذا الوضع عن كثب بالحل الأيديولوجي والعملي الذي طرحته تلك الثورات والتنظيمات القائمة بها بشأن قضية المرأة. أي أن التقرب الغالب في الأمر هو رؤية المرأة التي تحتل مكانها في صفوف الثورة على أنها عائدة للرجل والمصالح العامة. أما حينما تمر الثورة بمرحلة حساسة وحرجة فيتم التغاضي عن مسألة المرأة وإهمال حقوقها. بمعنى آخر ثمة فصل ثانوي من قبيل “إما مصالح الحزب العامة أو حل قضية المرأة” وهنا الحرية تكون اصعب معضلة تواجهها.

في الحقيقة، لا يمكن لثورة تتدارس قضية حرية المرأة بشكل سليم فلسفياً وأيديولوجياً وتنظيمياً وعملياً وتُموضِعها بموجب ذلك، أن تنزلق في مفترق كهذا. إذن، ثمة معضلة جدية في تداول قضية المرأة عانت منها الكثير من الثورات، فكانت نتيجتها تتمثل في شكلين. إما أن النساء والتنظيمات النسائية قالت “المصالح العامة فوق كل شيء” فتراجعت عن تطوير نضال حرية المرأة، وفقدت خاصياتها مع الزمن في متاهات النشاطات والمشاكل العامة، أي انحلت واضمحلت؛ وإما أنها قالت “حرية المرأة قبل كل شيء” فبترت نفسها من القضايا العامة للثورة وانقطعت عن المشاكل الاجتماعية فاهترأت في داخلها وتفسخت بسبب عدم تشغيل الطاقة الكامنة في المرأة أو تسخيرها في خدمة الثورة والمجتمع. وقد أدى هذا التقرب أيضاً إلى انحلال واضمحلال خاصيات المرأة ولكن من زاوية أخرى. فبدلاً من تحديد وجهة أيديولوجية وتنظيمية صائبة في النضال، والصراع بشكل راديكالي تجاه المواقف التسلطية للرجل في سبيل بناء شخصية الرجل الذي يمكن العيش معه؛ نظرت إلى مسألة الهيمنة والتسلط بشكل ضيق وحصرتها في جنس الرجل فحسب مما أدى إلى اتباعها مواقف فظة متمردة.

فعند الإستطراق حولَ العلاقةِ بين مصطلحَي الحريةِ الفرديةِ والحريةِ الجماعية في مفهوم وحدات حماية المراة والعلاقةِ بين هذَين التصنيفَين، نرى أهمية إيضاحها عبر الفروقات بين الحريةِ السلبيةِ والحريةِ الإيجابية. فقد ربطت وحدات حماية المراة الحرية بالأخلاق المجتمعية وهذا بقبول التنوعِ والتباينِ بدون تمييز وتفرقة وليست وفق الهويات المصطنعة والمكتسبة  بل انتهالإ من قوانين الكون التي تحمل بين طياتها أخلاقاً اجتماعيةً، كما ربطت حرية المرأة بمبدأ صياغة تعريف الحريةِ بأنها قوةِ الإنشاءِ الاجتماعي والسلوكِ الأخلاقيّ وتجنب أمراض العصر التي تشرعن وتروج للحرية السلبية, واكدت على دور المرأة في تعزيز بنيان الحرية المجتمعية بمفهومها الصحيح على أساس الحياة الندية بين الرجل والمرأة و إزالة التمييز الجنسوي في عملية التغيير والتحول الذهني وتحليل ظاهرة السلطة في تأبيد الحرية السلبية التي مجدتها المنطق البطرياركي بتفعيل دور الفردانية في تدمير المجتمع ومحاولة نسف الأخلاقِ والعدالة الاجتماعية من جذورها وجعلها ذراتٍ متناثرةً بغية عدم إبقاء أية طاقةُ للمقاومةِ لأجل أي هدف وهذه حقيقة تلامس واقعنا الراهن بتَسَرطُنِ المعضلةِ الاجتماعية  تحت اسم الحرية الجماعية, ولقد اتضحَ للعيان من خلالِ تجاربِ القرن العشرين، أنه ثمة شبهٌ وطيدٌ بين الحرية التي أثارتها الليبراليةُ بمعنى الفردانية، وبين الحرية التي أثارتها الاشتراكية المشيدةُ باسم الجماعية؛ مهما تَمَّ تعريفهما بأنهما قطبان متضادان. فكِلتاهما مِن خياراتِ الليبرالية. وسيتم استيعاب الأمورِ المرادُ قَولُها بمجردِ إمعاننا في كيفيةِ تطبيقِ ألاعيبِ الدولتيةِ والخصخصةِ من قِبَل اليدِ نفسها, هذه الأزمات تهيئ الأرضيةَ لانطلاقةٍ قَيِّمة أيضاً بعدم رضوخ المجتمع وبالأخص النساء لما يفرض عليها, فليس بمقدورنا الحديث عن نظامِ مجتمعٍ حرٍّ متوازنٍ وناجح والتحرر الجنسوي إلا عند تحقيقِ التواؤمِ بين الحرياتِ الفردية والجماعية ولكن تحتاج إلى طليعة فاعلة وطاقة مكثفة ومسؤولية عميقة وهذا ما تم رسمه كخاريطة طريق لوحدات حماية المراة في نضالها وكفاحها.

تبنت ypj  مفهوم الحرية ارتكازا على مبدأ اساسي وهو:”الحرية الفكرية والروحية بمفهوم الحرية الكلية وعدم تجزئتها ولا تفرق بين الأخلاق ومفاهيم الحرية التي تهدف لبناء مجتمع حر ؛ لأن المجتمع لا يمثل فردا فحسب بل يمثل الجميع وبألوانهم المختلفة, والحرية لا تتحقق إذا كانت المرأة حرة والرجل عبداً أو العكس,وهذه من احدى مبادئ أيديولوجية تحرير المراة وهي  الحرية كلية ومجتمعية. لذا تمثلت الخاصية الأساسية في كينونة المرأة الروح الجماعية في تأدية العمل بشكل منظم ودقيق, والإستخدام الأمثل لهذه الطاقة لضمانة تأمين الإمكانيات الأفضل لتحقيق النصر بعيداً عن العشوائية والمزاجية, والتحرك بشكل هادف ومنظم بأعلى المستويات ضمن مفهوم اخلاقي رصين, والذي هو مجموعة من القواعد والأسس التي تقوم بتوجيه الإنسان نحو الأهداف المرسومة مع احترام القيم الأساسية للحياة، وتشكل ضبطاَ ذاتياً للالتزام بأسس العمل النضالي وتقدير العمل والكدح الفردي والجماعي كمقياس واضح للضوابط والقوانين العسكرية والمجتمعية وحماية قيمه المادية والمعنوية, فكل ما انتجته الثورة مادياً ومعنوياً هي قيم الثورة ولا يمكن الفصل بينها, بل تشكل وحدة متكاملة تحمل بين جوانحها نبلاً اخلاقياً يتمثل في احترام الجهود والأعمال التي بذلت من اجلها بما فيها الشهادة بوصفها اغلى القيم والذي يفيد جوهر الحر للإنسان .

ها هي المرأة خرجت من هزلها وخمولها وضمورها لتصبح القوة الديناميكية الأكثر حيوية وعزماً في الحياة وسيصعّد هذا بدوره من نضال الحرية وينشّط من الفاعلية الاجتماعية بنسبة ملحوظة على أساس نضال الحرية والديمقراطية والسلام في هذا القرن، وستصبح المرأة بنضالها التحرري رمز الروح والاندفاع والعنفوان والحماس في الحياة .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.