الأمة الديمقراطية

الأمة الديمقراطية” للقائد عبد الله أوجلان يتناول مفهوم الأمة من منظور ديمقراطي، حيث يدعو إلى تجاوز النماذج القومية التقليدية التي تركز على الدولة لصالح بناء مجتمعات تعتمد على المشاركة والتنوع. يُبرز أهمية الاعتراف بالاختلافات الثقافية والعرقية، ويركز على دور الديمقراطية في تعزيز الوحدة والتضامن بين الشعوب.

الأمة الديمقراطية

منشورات مؤسسة العلم والفكر الحر في روج آفا

بالمقدور التفكير اولا” ببعدين اثنين، في ما يخص تحول الكرد الى امه على هدى تلك المصطلحات الاساسية. اولهما البعد الذهني. اتكلم هنا عن البعد الوجودي لمن يتشاطرون عالما ذهنيا (عالم الذهنية المشترك) عامرا بمشاعر التعاضد والتكافل المشترك، ويوحد حالاتهم الواعية المعنية بحقول اللغة  والثقافة  والتاريخ والاقتصاد والتوزع السكاني، دون اهمالهم لآفاقهم الأساسية  الخاصة بهم ضمن اطار تلك الحقول. والقسطاس الاولي في هذا البعد، هو التشاطر الذهني بخيال او مشروع عالم حر ومتساو مرتكز الى الاختلاف والتباين. كما وبمقدورنا وصف عالم الذهنية ذاك بالعالم الكومونالي او اليوتوبيا الكومونالية للأفراد الاحرار. المهم هنا هو الاحياء الدائم لذهنيه المساواة والحرية التي لا تدحظ اوجه التباين، وتحقيق انتعاشها في الحيز العام، وفي العالم الاخلاقي والسياسي العيش بالذهنية الديمقراطية على مدار الساعة. البعد الثاني هو الجسد الذي سيركن اليه العالم الذهني. كيف سيعاد ترتيب المجتمع بموجب عالم ذهنيه الامه التي يشترك الجميع في تشاطرها ؟ اي معيار معماري سيطبق على الوجود الجسدي؟ باقتضاب، فتعريف البعد الجسدي يتمثل في عاده ترتيب الطبيعة الاجتماعية (وبيئتها) المتبقية من الماضي الغابر والتقاليد القديمة، والتي رتبتها _او بعثرتها ونثرتها _الحداثة  الرأسمالية ،بحيث صيرتها مريضه ومتأزمة وقمعيه واستقلاليه الى اقصى الدرجات (بما في ذلك الممارسات التي تبلغ حد الابادة الثقافية) بما يتماشى ومآربها المغرضة. يتطلب البعد الذهني فرزا محدودا، نظرا لاهتمامه بعالم الفكر والخيال ومشاعر التعاضد فيما بين مجموع الافراد والمجموعات الطامحة في التحول الى امه. وما يتصدر هذه الانشطة العملية في سبيل ذلك، هو اعطاء التدريب العلمي والفلسفي والفني (والديني ايضا”)،وافتتاح المدارس اللازمة لهذا الغرض. ذلك ان شحذ الذهن والعاطفة فيما يتعلق التحول الى امه، هي وظيفه تلك المدارس. وبقدر الاعتناء بالوجود التاريخي والاجتماعي ،فن المحور الاساسي هنا هو وعي الحاضر والثقافة الاجتماعية المعنية في العصر الحالي، وتشاطر جوانبها الصائبة والفاضلة والجميلة على شكل افكار ومشاعر مشتركه. باختصار ؛فالمهمة الذهنية الاولية المتجسدة في هيئهkck , هي تصور الكرد امه قائمه بذاتها، على صعيد عالم الفكر والمشاعر الفاضلة والصحيحة والجميلة المشتركة  فيما يخص نشؤهم. وبتعبير اخر، انها خلق كينونة الامه لدى الكرد بالثورة العلمية والفلسفية والفنية، وابداع عالم الفكر والمشاعر الاساسي لهذه الكينونة؛ والتشاطر الحر وانفراج وانشراح الحقيقي العلمية والفلسفية (الايديولوجية) والفنية للواقع الكردي. والسبيل الى ذلك هو التفكير الذاتي، وتلقي التدريب الذاتي، وتشاطر الفاضل، والعيش بجمالية. والنقطة الاولية التي يمكن مطالبه الدول القومية الحاكمة بتلبيتها على الصعيد الذهني، هي الالتزام التام بحريه الفكر والراي والتعبير. ولئن كانت الدول القومية ترغب في العيش المشترك مع الكرد في ظل معايير مشتركة، فعليها احترام قياده الكرد بالتكوين عالمهم الفكري والعاطفي الخاص بهم، وبالارتقاء بأنفسهم الى منزله مجتمع وطني محصن بفوارقهم وتبايناتهم؛ وعليها تضمين حريه الفكر والراي والتعبير بدستور، كشرط لابد منه. ذلك ان الطريق المؤدية الى تشكيل امه مشتركة ،تمر من الامتثال الكامل بحريه الفكر والراي. الطريقة الثاني على درب التحول الى امه ديمقراطية ،هو اعاده ترتيب النشوء الجسدي. هذا ويتستر شبه الاستقلال الديمقراطي في ركن البعد الجسدي. وبالمقدور صياغه تعريف عام واخر ضيق بصدد شبه الاستقلال الديمقراطي. فهو بمعناه الواسع يعني الامه الديمقراطية التي لها ابعادها المتوزعة على مساحات اوسع. اذا يمكن تعريفه بنطاق عام من خلال ابعاده الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية والدبلوماسية  وغيرها. اما بالمعنى الضيق، فشبه الاستقلال الديمقراطي يفيد بالبعد السياسي، او بعباره اخرى: انه يدل على الاقتدار الديمقراطي او الادارة الديمقراطية. هذا ويعاني بعد شبه الاستقلال الديمقراطي على درب التحول الى امه ديمقراطية من اكثر الاشكاليات استعصاء مع الدول القومية الحاكمة ،التي عاده ما تطعن بشبه الاستقلال الديمقراطي وتدحضه، ولا تميل الى الاعتراف به كحق مشروع، ما لم تستدع الضرورة. من هنا، فالاعتراف والقبول بشبه الاستقلال الديمقراطي بالنسبة الى الكرد، يكمن في اساس الوفاق مع الدول القومية. ذلك انه يشكل الحد الادنى للعيش المشترك مع الدول القومية للأثنيات الحاكمة تحت سقف سياسي جامع. واي اختيار ادنى منه مرتبة، لن يعني حل القضية، بل تجذر العقم وتصعيد اجواء الصراع والاشتباك. ونخص بالذكر ان الرأسمالية الإنكليزية  قد صاغت مؤخرا مشروع (الحقوق الفردية والثقافية الليبرالية)،كي تتمكن من توجيه طبقتها العاملة ومستعمراتها بسهوله اكبر؛

وتعمل على تنفيذه داخل الجمهورية التركية ايضا بيد (AKP). الا ان هذا المشروع الغريب عن ثقافه الشرق الاوسط، لن يجدي نفعا سوى في تصعيد الصدامات والنزاعات. اما شبه الاستقلال الديمقراطي، فهو افضل مشاريع الحل المصاغة لصالح الدولة القومية. واي فكره او تجربه اقل مستوى منه، لن تفيد بشيء سوى خدمه اجواء الحروب والصراعات .المستفحلة بالإمكان تطبيق حل شبه الاستقلال الديمقراطي عن طريقين: يعتمد الطريقة الاول الوفاق مع الدول القومية، ويجب تعبيره الملموس في حل الدستور الديمقراطي. وهو يحترم ميراث الشعوب والتاريخي والثقافي والاجتماعي، ويعتبره احد الحقوق الدستورية الاساسية التي لا استغناء لها عنها للتعبير عن نفسها وتنظيم ذاتها ونيل حريتها. وشبه الاستقلال الديمقراطي مبدأ ركن لهذه الحقوق. واول شرط لهذا المبدأ الثابت، هو تراجع الدولة القومية الحاكمة عن شتى سياساتها في الانكار والابادة، وتخلي الامه المضطهدة ايضا عن فكره بناء دولتيتها القومية الذاتية الخاصة بمعنى اخر، من العصيب للغاية ان يرى مشروع شبه الاستقلال الديمقراطي النور على ارض الواقع، ما لم تتخل كلتا الامتين عن ميولهما الدولتية. والمحطة التي بلغتها بلدان الاتحاد الاوروبي بعد خبره طويله على درب الدولة القومية دامت ثلاث قرون بحالها، هو قبولها بكون شبه الاستقلال الديمقراطي هو افضل نموذج لحل القضايا الاقليمية والقومية وقضايا الاقليات التي تعاني منها الدول القومية. وفيما يخص حل القضية الكردية ايضا، فالسبيل الاساسي المبدئي والجوهري والذي لا يستند الى التمييز والعنف ، انما يمر من القبول بشبه الاستقلال الديمقراطي. وجميع الطرق عدا هذا السبيل تؤدي الى ارجاء القضايا وامهالها، وبالتالي الى توطيد الانسداد العقيم اكثر، او تفضي الى تصعيد الاشتباكات وحصول الانفصال. وتاريخ القضايا الوطنية عامر بالأمثلة على هذا الصعيد، ونعيم بلدان الاتحاد الاوروبي بالرفاه والغنى ضمن اجواء يعمها السلام خلال العقود السته الاخيرة، بعدما كانت مهد الاشتباكات والنزاعات الوطنية؛ انما اصبح ممكنا بقبولها لشبه الاستقلال الديمقراطي، وبتطويرها المواقف والممارسات المرنة والخلاقة لحل قضاياها الاقليمية والوطنية وقضايا الاقليات لديها. اما في الجمهورية التركية ،فالعكس هو الذي سر. فالدولة القومية المراد اكمالها وتتويجها بسياسه الانكار والإبادة بحق الكرد، قد زجت الجمهورية في معمعان اشكاليات ضخمه لا تطاق، واقحمتها في اجواء من الازمات المتواصلة ،والانقلابات العسكرية  التي تلجا لها كل 10 سنوات ،ونظام الحرب الخاصة المسيرة على يد الغلاديو. وعليه، فلن تستطيع الدولة القومية التركية بلوغ الرفاه والسعادة والغنى، او ترسيخ اجواء السلام الوطيد كجمهوريه علمانية وديمقراطية طبيعية ( قانونية)؛الا تماشيا مع مدى تخيلها عن كل ضروب سياساتها الداخلية والخارجية تلك، وتراجعها عن ممارسات نظامها ذاك، واعترافها بشبه الاستقلال الديمقراطي لجميع الثقافات عموما (بما في ذلك الثقافتان التركمانية  والتركية)،وللوجود الثقافي الكردي على وجه الخصوص. طريق الحل الثاني لشبه الاستقلال الديمقراطي، هو تطبيق مشروعه بشكل احادي الجانب ولا يعتمد على الوفاق مع الدول القومية. حيث يطبق ابعاد شبه الاستقلال الديمقراطي على ارض الواقع بمعناها العام، مؤمنا بذلك حق الكرد في التحول الى امه ديمقراطية. لا جدال انه في هذه الحالة ستزداد الاشتباكات حده مع الدول القومية الحاكمة، التي لن تعترف بطريق تحول احاديه جانب الى امه ديمقراطية. ومقابل هجمات الدول القومية فرادى او جمعا”(كالتحالف الإيراني _السوري _التركي)،فان الكرد في هذه الحال لن يجدوا امامهم خيارا سوى الانتقال الى وضع الحرب والنفير العام بهدف صون وجودهم والعيش بحريه. ولن يتقاعسوا عن تسخير قواهم الذاتية في تحقيق وتطوير تحولهم الى امه ديمقراطية بكل ابعادها على خلفيه الدفاع الذاتي؛ الى ان تفرز الحرب وفاقا ما، او يتوطد الاستقلال.

يتبع….

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.