الأمة الديمقراطية

مفهوم الديمقراطية من منظور مختلف، حيث يُدلل على أهمية بناء مجتمع يشارك فيه الجميع. يتعمق القائد أوجلان في تحليل الأزمات السياسية والاجتماعية، ويدعو إلى تصور شامل يربط بين الهوية، الثقافة، والتنمية الديمقراطية، ليكون ذلك الأساس لتحقيق العدالة والسلام.

الأمة الديمقراطية

منشورات مؤسسة العلم والفكر الحر في روج آفا

الامة الديمقراطية وأبعادها

 

الامه اصطلاحا هي شكل المجتمع الذي يلي تحول الكلأ نات والعشائر وقبائل القربى الى كيانات كالقوم او الشعب او الملة،

والذي قالبا” ما يصنف ذاته وفق اللغة والثقافة. والمجتمعات الوطنية، اوسع نطاقاً واكبر حجما من مجتمعات القبائل والاقوام. ولهذا فهي تجمعات بشريه تربطها ببعضها بعضا روابط رخوة. المجتمع الوطني ظاهرة من ظواهر عصرنا على الاغلب. وإذ ما صيغ تعريف عام له، فبل لإمكان القول انه تجمع ممن يتشاطرون ذهنية مشتركه. اي انه ظاهره موجوده ذهنياً. بالتالي ،فهو كيان مجرد وخيالي .وباستطاعتنا تسميته ايضا بالأمة المعرفة على اساس الثقافة .وهذا هو التعريف الصائب سوسيولوجياً. بأعم الاشكال، ومن اجل التحول الى امة، يكفي ان يتكون عالم ذهني وثقافي مشترك ،على الرغم من اختلاف الطبقات او الجنس او اللون او الأثنية او حتى اختلاف جذور الامه.

ولزياده تعقيد هذا التعريف العام للامة، فان امة الدولة ،امة القانون، الامه الاقتصادية ،والامه العسكرية (ملة الجيش) وغيرها، تعتبر تصنيفات اخرى للميول القومية المشتقة التي تحصن الامه العامة. وبالمقدور تسميتها بأمم القوة ايضاً. ذلك ان التحول الى امه قويه يعد غايه نموذجيه واساسيه للحداثة الرأسمالية. حيث تسفر الامه القوية عن امتيازات رأس المال والسوق الواسعة وفرص الاستعمار والامبريالية.  بناء عليه، فمن الأهمية بمكان عدم النظر الى هكذا امم محصنه على انها النموذج الوحيد للامة، بل وينبغي تناولها.

بانها امم القوة الشوفينية، والامم المسخرة لراس المال. وتشكيلها لمنبع المشاكل والقضايا يعزى اصلاً الى سماتها هذه .اما نموذج الامه الديمقراطية، فهو النموذج القابل للاشتقاق من الامه الثقافية، والذي يلجم القمع والاستقلال ويد حضهما. فالأمة الديمقراطية هي الامة الاقرب الى الحرية والمساواة. وتأسيساً على هذا التعريف، فهي تشكل مفهوم الامة المثلى للمجتمعات الهادفة إلى الحرية والمساواة . ان عدم قيام الحداثة الرأسمالية وعلم السوسيولوجيا المستقاة منها بتناول صنف الامه الديمقراطية، انما هو بحكم بنيتهما وهيمنتهما الايديولوجية .ذلك ان الامه الديمقراطية هي تلك الامة التي لا تكتفي بالشراكة الذهنية والثقافية فحسب، بل وتوحد كافه المعنيين فيها .اي ان طراز الادارة الديمقراطية والشبه مستقله ،هو الشرط الرئيسي في لائحة مقوماتها في ظل المؤسسات الديمقراطية الشبه مستقله ، وتديرها. هذا هو جانب صيرورة الامه الديمقراطية .وهي بجانبها هذا بديل للدولة القومية .فالإدارة الديمقراطية بديل عن حكم الدولة ،وفرصه عظيمه للحرية والمساواة .في حين ان سوسيولوجيا الليبرالية اما انها تطابق الامه اساساً مع دوله مشيدة،  او مع حركه تهدف الى تشييد دولة . وكون الاشتراكية المشيدة سارت في هذا المنحى،  هو مؤشر على مدى قوه الايديولوجية الليبرالية .اما الحداثة البديلة في الامه الديمقراطية، فهي العصرانية الديمقراطية. في حين يشكل الاقتصاد المطهر من الاحتكار، والأيكولوجيا الدالة على التأقلم والتناغم مع الطبيعة، والتقنية الصديقة للطبيعة والانسان؛ يشكل الارضية المؤسساتية العصرانية الديمقراطية،  وبالتالي للامه الديمقراطية .اذ من المهم ايضا عدم المغالاة في الوطن. مفهوم (كل شيء في سبيل الوطن). ينبع من مفهوم الامه الفاشية. والاجدر هو نذر كل شيء في سبيل مجتمع حر وامةٍ  ديمقراطية .هذا ومن الضروري عدم اعلاء ذلك ايضا الى مستوى العبادة. فجوهر الامر يكمن في اعطاء الحياه قيمه ثمينة. اي ان الوطن ليس غايةٍ ،  بل هو مجرد وسيله بالنسبة لحياة الامة والفرد. وبينما تهرع امه الدولة وراء المجتمع النمطي،  فغالباً ما تتألف الامه الديمقراطية من المجتمعات والكيانات المختلفة، وترى اختلافاتها مصدر غنى. والحياه بذات عينها ممكنة أصلا” بالاختلاف والتباين .

الخاصية  التي ينبغي توخي الحساسية والدقة البالغة فيها لدى وضع نظريه الامه في الاجندة ، هي حقيقه تقديس وتاليه الامه .فالحداثة الرأسمالية  انشات الوهية الدولة القومية بالتحديد، بدلا من المفاهيم الدينية والالهية التقليدية. هذه نقطه جد هامة. فاذا ما فسرها الايديولوجية القوموية  بكونها دين الدولة القومية، فسنتمكن من الادراك ان الدولة القومية نفسها هي اله هذا الدين. الهتاف بشكل يصم الاذان بالشعارات والرموز الاساسية للدولة القومية في عصرنا من قبيل (علم واحد)- (لغة واحده)- (وطن واحد) –(دوله واحده)- (ودوله مركزيه واحده) -تحسس العيون من الاعلام ذات الالوان المغايرة واستصغارها اياها ، تصيير العالم الذهني منليثياً  ماردا” ومعطوبا” تأجيج نعرة الشوفينية  القومية،  والاعلاء  من شانها لدرجه جعلها طقوسا” وشعائر تطلق في كل تظاهرةٍ  و خاصة  في الانشطة الرياضية والفنية ؛كل ذلك يتوجب تقييمه بانه عبادات الدين القوموي. في الحقيقة، فعبادات العصور القديمة ايضا كانت تؤدي الوظيفة نفسها .المرام الاصل هنا هو تامين سريان منافع احتكارات السلطة ورأس المال، وتمريرها اما خفيه او بتقديسها وشرعنتها . من هنا،  نستطيع استيعاب حقيقه الواقع الاجتماعي بنحو سديد اكثر، اذا ما تناولنا جميع المواقف والممارسات الراهنة المبالغة والموارية  المعنية في الدولة القومية مؤطره بهذه البراد يغما الأساسية. الامه الديمقراطية هي نموذج الامه التي تعاني باقل قدر من هذه الامراض جميعا”،  فهي لا تقدس اداراتها، لان الادارة مسخره في خدمه الحياه اليومية كظاهره شفافة، والجميع مؤهل لان يكون موظفا إداريا”، في حاله تلبيته متطلباتها ومقتضياتها .اي ان الإدارة  قيمة، لكنها ليست مقدسة، ومفهوم الهوية الوطنية منفتحة الاطراف ،وليس كعضويه او عقيدة دينيةٍ منغلقة، والانتماء الى امة ما ليس امتيازا” ولا عيبا”، حيث يمكن الانتماء الى عدة أمم، او بالأصح  قد تتعايش قوميات مختلفة متداخله، فبمقدور الامه الديمقراطية وامة القانون ان تعيشا سوية بكل يسر في حال وفاقهما، اما الوطن والعلم واللغة، والى جانب قيمتها العالية ،لكنها ليست مقدسة، والعيش في ظل تشاطر الوطن المشترك واللغات والاعلام المشتركة بشكل متداخل على درب الصداقة بدل التضاد، ليس ممكنا فحسب، بل هو في الوقت ذاته ضرورة  من ضرورات حياة المجتمع التاريخي ، من هنا فظاهره الامه الديمقراطية بكل مزاياها هذه،  تأخذ مكانها ومكانتها في التاريخ ثانيه كبديل قوي للدولتية  القومية التي هي آلة  حرب طائشة ومحفزه على التهور بيد الحداثة الرأسمالية. ان نموذج الامة الديمقراطية باعتباره نموذجا حلالا ينعش ثانيه دمقرطة العلاقات الاجتماعية التي مزقتها النزعة الدولتية القومية  اربا” اربا” ويفعم الهويات المتباينة بروح الوفاق والسلام والسماحة، لذا فانعطاف امه الدولة صوب الامه الديمقراطية، سيجلب معه مكاسب عظمى، فنموذج الامه الديمقراطية يتسلح بوعي اجتماعي سديد للقيام اولا بتطويع الادراكات الاجتماعية المشحونة بالعنف ، ثم لتصييرها انسانية (الإنسان العاقل والمفعم بالعواطف والمشاعر، والذي يشعر بالآخر ويتقمصه عاطفيا”). لا ريب انه يحقق ذلك بالتحجيم البارز لعلاقات الاستغلال المطعمة بالعنف، ولو انه لا يقضي عليها كليا”،  وكذلك بإتاحة  الفرصة لمجتمع اكثر حريه ومساواة، انه لا يؤدي وظيفته هذه بالاقتصار على استتاب الامن والسلام والسماح بين صفوفه فقط،  بل وبتخطيه أيضا” للمواقف المشربة بالقمع والاستغلال تجاه الامم الاخرى خارجيا” أيضا”،  وبتحويله المصالح المشتركة الى تداؤب وتضافر، لدى اعاده انشاء المؤسسات الوطنية والعالمية بناء على البنيه الذهنية والمؤسساتية الاساسية للامه الديمقراطية، سوف يدرك أن النتائج التي ستسفر عنها الحداثة الجديدة ، أي العصرانية الديمقراطية،   ستكون بمثابه النهضة ، ليس نظريا” فحسب ، بل وميدانيا أيضا”. اي ان بديل الحداثة الرأسمالية هو العصرانية الديمقراطية،  والامه الديمقراطية الكامنة في أساسها، والمجتمع الاقتصادي والأيكولوجي والسلمي المنسوج داخل وخارج ثنايا الامه الديمقراطية، السبيل الصائب  والاخلاقي والسياسي على الاطلاق للنفاذ من ازمة رأس المال المالي العالمي، هو الانشاء السريع للأمم  الديمقراطية الجديدة  بمزاياها الحلالة منحو متفوق وخارق، عوضا” عن الدولة القومية بذات نفسها، والتي باتت جوفاء او افرغت من محتواها راهنا”،  وعوضا” عن اتحاداتها الاقليمية والعالمية ، وبالأخص هيئه الامم المتحدة، وهو اقامة الامه الديمقراطية مقام الدولة القومية الواحدية ،او اعتبارها حالتها المحولة. وكذلك تطوير النماذج الإقليمية( الاتحاد الاوروبي يسير في هذا المنحى نسبيا”) والعالمية ايضا بشكل متداخل.

يتبع…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.