اسمى قيم الفدائية، الخلود

نستطيع القول بأنَّ الطبيعة الفدائية تتوفر دائمًا من أجل الخلود، ويفرزها جسد المجتمع بشكل طبيعي عبر موروثها الطويل في المقاومة.

 يستند مفهوم الفدائية والخلود على مبدأ الطوعية, نكران الذات, التضحية, حب الحياة ونبذ فلسفة الموت بالتالي الابتعاد عن المبتغيات الفردية, بالإضافة إلى أخذ المصلحة العامة أساساً لها وذلك عبر السلوك الطوعي, والمبادرة بفعل ما بوسعها لحفظ السلم والأمن والاستمرارية. فان يفتدي الانسان بذاته في سبيل الوطن هو اعظم انواع التضحية وأسماها على الاطلاق والمقاومة هي خط الدفاع لتغيير المراحل المصيرية التي يمر بها العالم, فعلى مدار اكثر من قرن تستمر المسيرة النسوية في العالم,  فتنتفض, تثور, تناضل وتفدي بروحها في سبيل تحقيق الحياة الحرة الكريمة لمجتمعاتهن, تحت شعار الشهادة في سبيل الحياة الحرة.

اجتماع هذه القيم الثقافية والفلسفية المستمدة من الثقافات الاصلية للمنطقة, كانت المؤثر والمنطلق التي استندت عليه فلسفة القائد عبد الله اوجلان. الفلسفة التي اعطت القيمة للشهادة في سبيل خلق الحياة الحرة , كما اطلق القائد مصطلح الخلود كاجتماع القيم الانسانية في المنعطفات التاريخية والفلسفات التي استندت على ارادة الانسان و التي استندت على الفدائية من اجل الغير. واليوم تتجلى هذه المفاهيم في فلسفة الشهادة بمنظور وحدات حماية المرأة, فهي على يقين متى ما كانت الحياة حاضرة فستكون هي حاضرة, ومتى تحررت الاوطان ستكون, واينما وحدت امرأة حرة ستكون.

 وهكذا ارتقت اكثر من 800 شهيدة من الوحدات فكانت روكسانا عفرين جيندا تل تمر,افيستا خابور, بارين كوباني شيلان كوباني وغيرهن الكثيرات اللاتي حملن المشاعل لينيروا طريق الثورة.

فبماذا يمكننا وصف من جعلوا اجسادهم نورا يضيء لنا طريق الحرية. وأي لغة ستملك الكلمات لوصفهم؟

تنظر وحدات حماية المرأة للفدائية كمفتاح لخلودها وخلود شعبها, ومع ادراكها العميق لفلسفة الحياة الحرة فهي تناضل لتغيير النمط الحياتي للنساء والعمل على اطلاق سراح كيانها المسجون في معتقلات الافكار والعقائد الذكورية, وهنا تبرز حقيقة أساسية ألا وهي حقيقة انَّ حضاراتنا لا توجد إلا بسبب تضحيات عظيمة. ولولا قيمة نكران الذات التي تمثلها هذه التضحيات، لكانت الشعوب بلا تاريخ يخلَد, هذه التضحيات تنم عن جوهر الانسان الحقيقي وهي الطريق الوحيد التي يمكن أن نسلكها لتحقيق كامل كينونتنا. وهنا أيضا  من البديهي البت بان طليعية وفدائية المرأة اوصلت المجتمعات والحياة نحو التطور الحالي الذي وصلنا إليه بالنسبة لحقوق المرأة, فالخصال الفدائية من طبيعة المرأة وبقدر ما يتم تنظيم الطبيعة الفدائية للمرأة، فإنه يخلق معه انتصارات عديدة على صعيد الشخصية والفكر النسوي.

فما هو السر ؟

نستطيع القول بأنَّ الطبيعة الفدائية تتوفر دائمًا من أجل الخلود، ويفرزها جسد المجتمع بشكل طبيعي عبر موروثها الطويل في المقاومة. وأخيرًا يمكن القول إضافة إلى هؤلاء الشهداء الأبطال، أن وحدات حماية المرأة تواصل نضالها لتحقيق كل المهام والواجبات التي وضعتها على عاتقها لحماية شعبها، وذلك على أساس العهد الذي قطعته منذ بداية تأسيسها وحتى اليوم الراهن، بروح الشهيدات إن الفدائيين هم جيوب المقاومة, تلك الفئة التي لم تيأس، ولم تنحرف، ولم تنهزم من الداخل، وواصلت مسيرة المقاومة رغم الصعوبات، لتحافظ على الحالة النضالية حية و لتأصّل جذور النضال للأجيال القادمة, وإن قوة ومخزون المقاومة الكامنة لدى وحدات حماية المرأة لا تفنى ولا تنضب، بل تتحول وتتجدد من شكل إلى آخر، ودوما يأتي الوقت لتتجدد وتستمر.

وحدات حماية المرأة تقدس الحياة وهي مرتبطة بها, فليست فلسفتها مبنية على الموت اذ انها تنبذ الموت كونها ترتبط ارتباطا جذريا بالأرض والبيئة والعيش الكريم, ولكن عندما تفقد الشعوب طريقها للتحرر فهي تجد نفسها مسؤولة لتدافع وتحمي وتستشهد لتكمل المسيرة وليكمل شعبها الطريق, فقد اثبتت تجربتها في محاربة داعش عشقها للحياة, فكان الأخير يجعل الحياة كلها رمادية سوداء, حتى ان هذا التنظيم البس المرأة الأسود ولفها بلون سوداوي يعكس فكره في قتل الحياة والمرأة , ومن المعروف جدا ان هذه الوحدات تستند على مفهوم المرأة الحياة الحرية, ولا تفصل بين المرأة والحياة, ومع هزيمة التنظيم جغرافيا اعادت الوحدات الألوان الى النساء والساحات وعادت المرأة تتلون بثيابها فولكلورها وديانتها ومعتقداتها, وخلد التاريخ اسماء حفرت على اشهر شوارع العالم وفي ذاكرة الدول ونسائها, هذا هو منظورها للخلود فهي تخلد المرأة والشعوب وليس شخصها.

إنَّ حركة المرأة الكردية المدافعة جارت حركات التحرر العالمية بالطابع الفدائي الديالكتيكي, وبقدر ما تحب الحياة بقدر ما ترفض العيش ضمن انكار عالمي لهوية المرأة, فهي تفدي قضيتها بنفسها كضرورة حتمية فرضها التاريخ والجغرافية, والفوضى الناتجة عن الدول المتصارعة في الشرق الاوسط وتعمل على تحقيق قيم الجمال والحرية وايصال الوعي المجتمعي والسياسي الى الذروة وتنم عن وعي بالتاريخ والانسانية . فمنذ نشوء الخليقة والروح الفدائية ترتبط بكينونة المرأة, اذ يتعشعش هذا المفهوم في جيناتها, بطبيعتها الميالة للعاطفية ولتتخذ اسمى معانيها مع بدايات تشكل المجموعات البشرية ليمتد الى يومنا هذا, فجوهر الفدائية هو رفض المقاييس المفروضة وخلق الحياة من جديد, والفدائي شخص يرفض كل المقاييس السلبية التي تتحكم بحياته وتجعله شبيها بالآلة ومستنسخا, فكافة الاساطير والقصص كتبت عن الاشخاص الفدائيين لانهم خدموا الانسانية ووفروا حياة اكثر جمالية لشعوبهم ومجتمعاتهم, فبذلك تعتبر الفدائية موت لأجل الحياة المتجددة و دواء لأمراض الانسانية والمجتمع ويتصدر المجتمع الكردي قوائم الفدائية وهو مثال في الفدائية رغم كل المفارقات التي عاشها ورغم الصهر والابادة.

الفلسفة التي تعتمدها وحدات حماية المرأة فلسفة انسانية واخلاقية تسعى للحفاظ على جوهر الحياة, لذا تؤمن  بانه بقدر ما تكون المرأة منظمة وواثقة بقضيتها وتتحلى بالروح الوطنية، لن تتمكن أي قوة من الوقوف في وجهها واستعبادها. وبقدر ما تضحي تكون مكتسباتها,  وبقدر ما تمكنت بقيادتها ومسؤوليتها وقيمها وروحها الوطنية من تحليل المرحلة والحرب التي تواجهها استطاعت الرد على الذهنية التي تسعى لكسر إرادة المرأة, فجاءت الفدائية ظاهرة لنشر القيم الجمالية في المجتمع وربما كانت السبب والداعم الاساسي لما وصلت اليه الانسانية لوضعها الحالي فقضية الديمقراطية والحياة الحرة من أهم القيم الانسانية وللفدائيين الدور الريادي لما وصلت اليه الانسانية من تطور, فالمبدأ هو استكمال المقاومة وحفظ حياة المجتمعات ,ان كون المرأة في وحدات حماية المرأة, هي نفسها المرأة التي عانت الاضطهاد والقمع على يد المفاهيم الذكورية البحتة و كونها هي التي عاشت التجربة المريرة فهي فقط تستطيع تغيير نظرة المجتمع الدونية لها وانقاذ المرأة من مستنقعات الجهل والتبعية.

كل الشعوب يتجلى هدفها بتخليد تاريخها, معالمها, لغتها وثقافتها, لذا لجأت منذ نشأتها للخلود ولكن لكل مفهومه وطريقته, البعض نجح والبعض الآخر اخذها على شكل يتجسد بتخليد الأفراد ومحاولة نيل الخلود المادي على مستوى حياته كما في مثال جلجامش والفراعنة واقتصر ذلك التخليد على فئة دون غيرها وكانت الأغراض منها حفظ الحياة, فجاء مفهوم وحدات حماية المرأة للخلود من المفاهيم التي قلبت الموازين فالتضحية بالحياة في سبيل الخلود, ذلك المفهوم المتفرد بذاته والمتجدد بكل نواحيه في تخليد المقاومة الشعبية وحفظها في ذاكرة الشعوب. واليوم نجد الساحات تمتلئ بصور الشهيدات النساء اللاتي جلبن باستشهادهن مكتسبات على صعد عالمية, فنجد النساء في كافة انحاء العالم يخلدن مسيرة الشهداء وترفعن صور الشهيدة الكردية, العربية, الأممية ومن كافة الألوان والأطياف, اذ غيرت بعضهن قوانينا دولية ومحلية واقليمية, أظهرت وحدات حماية المرأة الشخصية التي تستشهد وهي تحمل سلاحها وقلمها معا في آن واحد لقد اصبحن شهيدات خلقن حياة جديدة لشعبهن.

 وهنا يظهر مفهوم الخلود كاستمرارية لجسر من مواكب نسائية صنعت النصر وخلدن مبادئ ثورة المرأة ,استمدادا من ثقافة المجتمع الطبيعي كشعب ميزوبوتاميا والفلسفة الزردشتية التي تؤمن بها هذا الشعب اثر على روح وفكر ووجهات نظرها المختلفة للحياة والانسان والموت وحتى في خلق شخصية تمتزج بعبق اصالة شعب ميزوبوتاميا والعقائد الزردشتية ولان ه         ذه المفاهيم مترسخة فنجد وحدات حماية المرأة باستنادها على تاريخها الجغرافي والفلسفي السباقة لطلب حياة حرة, و تحترم الحياة وتؤمن انها تحيا لرسالة حياتية وبمهمة وتومن بان قرار خلق تغيير يكون بيد ابناء هذه الارض ونسائها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.